«قماح» جزيرة لا تربطها بالجزيرة الأم «فرسان» أي طرق، فالسبيل الوحيد للوصول إليها هو القوارب «الفلوكات» للوصول إلى الجزيرة المعزولة والتي باتت شبه منسية من الخدمات، وتبعد عن فرسان ما يقارب الخمسة كيلومترات. فمع بزوغ كل فجر تبدأ قصة جديدة أبطالها طالبو العلم من طالبات وطلاب، يشاركهم فصول تلك القصة المعلمون والمعلمات في رحلة محفوفة بالمخاطر، فالقوارب وسيلة النقل الوحيدة التي تقلهم من فرسان إلى قماح، رحلة يتشاركون فيها الخوف من المجهول وأهوال البحر. حاولنا أن نعيش معهم فصول تلك القصة التي يعيشونها في كل يوم دراسي، فتواجدنا بعد صلاة الفجر مباشرة على شواطئ فرسان، في انتظار وصول الطالبات والطلاب ومعهم معلميهم، ركبنا معهم أحد القوارب منطلقين إلى جزيرة قماح حيث تقع مدارسهم، كان البحر هائجا نوعا ما، كنت أشاهد تلك النظرات في وجوه طلاب صغار ما زالوا يدرسون في المرحلة الابتدائية يحملون حقائبهم فوق ظهورهم، ممسكين بأسنانهم أطراف ثيابهم خشية البلل، أحدهم يبحلق بعينيه في أمواج البحر وكأنه يعقد هدنة مع تلك الأمواج، وآخر يفركها غير مبال وكأنه اعتاد على هذه الرحلة اليومية كل صباح. أبحر بنا ذلك القارب الصغير قرابة 15 دقيقة، وسط تلك الأمواج التي ترفع القارب أمتارا في السماء، بحثت عن أدوات النجاة التي يجب توفرها في مثل تلك القوارب التي تحمل أطفالا صغارا فلم أجد شيئا، سألت معلما كان يجلس بقربي، فرد بابتسامة ثم بجواب على مضض فحواه «أنهم يجيدون السباحة». وصلنا بعد ذلك إلى شاطئ الجزيرة «قماح» فنهض الطلاب ومثلهم الطالبات في القارب الآخر المرافق لنا، كان جميعهم يتحاشى البلل، حرصا منهم على الوصول إلى فصولهم الدراسية وهم لا يقطرون ماء. حين تطأ قدماك شواطئ الجزيرة تشعر بأن صمتا مطبقا يغلفها، فالهدوء لا يقطعه إلا صوت البحر وبعض الطيور العابرة، فقد هجر تلك الجزيرة عدد كبير من أهلها الذين لا يتجاوز عددهم في السابق ال600 نسمة، لعدم توفر الخدمات التي يحتاجونها، ولا يأتون إليها إلا نهاية كل أسبوع، يتفقدون منازلهم ويجددون ذكرياتهم. مدارس غير مهيأة في قماح مدرستان، واحدة للبنات والأخرى للبنين، بنيت من «الهنقر» وفصولها عبارة عن غرف جاهزة «بركسات» وبالقرب منها مدارسهم السابقة التي انتقلوا منها مؤخرا، وهي مبان قديمة مضى عليها عشرات السنين، ما جعل أعداد الطالبات والطلاب يتناقص بسبب عدم توفير الخدمات والتوجه نحو مدارس فرسان، ويبلغ عدد الطلاب في مدرسة قماح الابتدائية ما يقارب تسعة مع أربعة معلمين والمدير ومستخدم وحارس، وعدد الطالبات في مدرسة قماح للبنات ثلاث طالبات ومعلمتان ومديرة، ويعود ذلك بسبب عدم وجود الخدمات التي من شأنها أن تشجع على الدراسة كعدم وجود مبنى ملائم للعملية الدراسية وغياب الكهرباء عن مدرسة البنات بعد أن توقف مولد الكهرباء عن العمل منذ أكثر من خمسة أشهر. معاناة لا تطاق «عكاظ» التقت بالطالبات الثلاث، حيث ذكرت إحداهن (تدرس في الصف السادس الابتدائي) أن الوضع لا يطاق في مدارس قماح «والدليل تناقص أعداد الطالبات سنة بعد سنة حتى وصل عددنا إلى ثلاث طالبات»، وتضيف: «منذ أكثر من ثلاثة أشهر ونحن ندرس دون كهرباء بعد تعطل المولد الكهربائي، ومدرستنا الجديدة عبارة عن حديد ما يجعل درجة الحرارة بداخلها مرتفعة، ولكن رغبة منا في طلب العلم تقبلنا هذا الوضع، وتقبلنا المخاطر التي نواجهها كل يوم ذهابا إلى المدرسة بالقارب وإيابا منها إلى فرسان، ونتمنى أن ينظر إلينا المسؤولون بعين الرحمة وأن يعوضونا عن كل ما فات». وتشير زميلتها إلى أن واقع التعليم في قماح صعب ومؤلم، ويفتقر لكل المقومات التي تساعد على التعلم بالصورة الصحيحة، وتصف التعليم داخل الفصول بالمرهق والصعب نظرا لعدم توفر الكهرباء وارتفاع درجات الحرارة. بدل نائية مدير مدرسة قماح أحمد عيسى جوخب أكد أن معاناة المعلمين لا تختلف تماما عن معاناة المعلمات، فجميع من يعمل ويدرس في مدرسة قماح يعاني كل صباح من الوصول إليها ابتداء بركوب القوارب، مشيرا إلى أنهم ورغم كل الأخطار التي يتعرضون لها وبعد المسافة إلا أنه يصرف لهم بدل نائية 5% فقط، بينما يصرف للبعض في مناطق أقل بعدا وخطورة ما يقارب 25%، وأضاف: «نتمنى أن يتم النظر في أمرنا ويعاد تقييم صرف بدل النائية».