لم تمنع الحملات التفتيشية المستمرة التي تصوبها وزارة الثقافة والإعلام لحماية حقوق الملكية الفكرية، بعض محلات بيع وصيانة وبرمجة الكمبيوتر في جدة، من التحايل على الرقابة بهدف الكسب المادي والتربح من نسخ البرامج واستغلال الراغبين في شراء كل ما رخص ثمنه وغلت قيمته الأدبية من برامج. وفيما كانت أصابع الاتهام لا تشير إلى موقع بعينه، لكنها شملت كافة أسواق الكمبيوتر، حرصت «عكاظ» على الاقتراب من تلك المخالفات لرصدها والتعرف على حالها وما إذا كانت ظاهرة أم أنها لا تعدو عن حالات فردية. بدأنا الجولة على مركز المدينة التجاري والذي يعد من أكبر المجمعات المتخصصة في بيع أجهزة وبرامج الحاسب الآلي المقلدة في المدينة، والذي تديره عمالة وافدة تقوم ببيع برامج الحاسب الآلي غير الأصلية وبأسعار زهيدة لا تتجاوز العشرة ريالات، دخلنا إلى المجمع والذي كان هادئا في الصباح صخب الحركة مساء، فجميع العاملين من «الوافدة» التي أعطتنا إشارة إلى وجود مخالفات داخله مع النظرات الموجهة إلينا والتي أثارت العديد من الشكوك حول ما يقومون به ليس في بيع الأجهزة ولكن في عمليات القرصنة ونسخ البرامج وفي المقابل وجود محلات تعرضت للإغلاق من فرق وزارة الثقافة والإعلام ووضعت لافتات تجرم تلك العمليات، حيث نفذت الوزارة ممثلة بإدارة الرقابة الميدانية بالإعلام الداخلي بمنطقة مكةالمكرمة، وبالتنسيق مع الأجهزة الأمنية، خلال الأسابيع الماضية، حملة تفتيش على المجمع، حيث تبين أن تلك العمالة تقوم بطباعة منشورات ملونة لأسماء البرامج المنسوخة وعرضها على المشتري على أنها برامج أصلية، وقد تمكنت الحملة من ضبط ما يقارب من 40 ألف نسخة من تلك البرمجيات، وعدد من الأجهزة المستخدمة في عمليات نسخ هذه البرمجيات، كما تم القبض على العديد من الأفراد الذين يقومون بعمليات بيع البرامج المقلدة. بداية دخلنا إلى أحد المحلات وكان العمال الذين بداخله يراقبون تحركاتنا، وأعينهم على الكاميرا، وأثناء دخولنا رفض الحديث معنا معللا وجود مدير للمحل، في وقت أعطى إشارة إلى عامل كان يجلس في ركن بالخروج من المحل كان يقوم بنسخ البرامج. وأكد يعقوب تريش مسؤول داخل محل لبيع وصيانة الحاسب الآلي بمجمع المدينة، أنه لا يقوم بنسخ البرامج أو عملية قرصنة، حيث لا يوجد لديه سوى الأصلي، وقال تريش: هناك تعليمات من وزارة الثقافة والإعلام واضحة بعدم نسخ البرامج، مضيفا لا أخفيك أن هناك محلات داخل المجمع تقوم بنسخ البرامج الأصلية بناء على طلب المستهلكين الذي يأتون لهذا الغرض، وهناك الكثير من الراغبين في نسخ البرامج يأتون للمحلات من أجل هذا الغرض فهناك من يلبي طلبهم وآخرون يعتذرون حتى لا تتعرض محلاتهم للإغلاق. وأكد تريش أيضا، رغبة الدارسين في الخارج إلى نسخ بعض البرامج التي يحتاجونها في دراستهم، مطلقا عليها «برامج الدارسين في الخارج»، حيث إن هناك مختصين يوفرون لهم تلك البرامج بمبالغ زهيدة والتي تفرق كثير عن النسخ الأصلية. وأشار عبدالحميد تندارر إلى أن الكثير من محلات الكمبيوتر تم إغلاقها مؤخرا عن طريق وزارة الثقافة الإعلام بمنطقة مكةالمكرمة، بعد اكتشاف مخالفتها في نسخ البرامج، حيث تجاوز عددها خمسة محلات، مبينا أن الفرق الميدانية الرقابية قامت بجولة على المحلات قبل شهرين، أنهم ملتزمون بالتعليمات. أما عبدالرحمن سيرماوي، الطالب في المرحلة الجامعية فيؤكد من خلال تواجده داخل أحد محلات الكمبيوتر، قيام بعض المحلات بنسخ البرامج دون خوف من العقوبات وهو ما حدث معي حين جهازي كي أقوم بنسخ برنامج خاص بدراستي خارج المملكة، لأن بعض البرامج الأصلية غالية الثمن وبالتالي تجد بعض المحلات باستغلال ذلك والقيام بالمخالفات. وأشار خليل محمد الزهراني إلى أن التعدي على حقوق الآخرين وسرقة أفكارهم من خلال نسخ البرامج والقرصنة، ما زالت موجودة وذلك بسبب غياب الرقابة المستمرة على تلك المحلات، حيث إن الجولات الميدانية لا تتم بشكل مستمر ويومي للتضييق على المخالفين وإنما تجدها في الشهر مرة. 10 مليارات خسائر من جهته أوضح عضو جمعية الاقتصاد السعودية، عضو جمية السعودية للجودة عصام مصطفى خليفة، أن انتهاك حقوق الملكية الفكرية يعتبر كابوسا يعيق عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأصبحت تشكل تهديدا عالميا للمصنفات الأدبية والفنية والتقنية، وتؤدي بالتالي إلى خسائر سنوية بمليارات الدولارات، وتقدر إجمالي الخسائر على مستوى العالم ما بين 200 و300 مليار دولار في مجال تكنولوجيا المعلومات، إذ أصبحت أشكال هذه القرصنة تمثل تهديدا عالميا تصل نسبته إلى 10% من حجم التجارة العالمية. وأضاف خليفة «في المملكة تقدر حجم الخسائر السنوية لانتهاك الملكية الفكرية 10 مليارات ريال سنويا، كما تخسر السوق السعودي 500 مليون ريال سنويا بسبب قرصنة برامج الكومبيوتر، إضافة إلى 11 مليار دولار خسائر الغش التجاري في السعودية بحسب إحصائية وزارة الاقتصاد والتخطيط». وتعد الكتب والمؤلفات الأدبية وصناعة الأفلام والبرامج التلفزيونية والسلع المقلدة من أكثر الصناعات عرضة لخرق قوانين حقوق الملكية الفكرية، وهي تشكل عقبة كبيرة أمام الأعمال التجارية في المملكة، كما أن هناك العديد من أشكال القرصنة منها قرصنة تصوير الكتب في حرم الجامعات وخارجها، وقرصنة سلع التجزئة، والقرصنة المتزايدة عبر الإنترنت والهواتف الخليوية، وتحميل برامج الكمبيوتر على أجهزة في نقاط البيع، وبيع أجهزة فك التشفير للريسيفرات، كما تنشط السرقات التقنية بشكل كبير في المملكة، إذ يوجد ما بين 300 و400 ألف قرص مدمج منسوخ بطريقة غير قانونية يوزع في المملكة أسبوعيا، وتسيطر العمالة الأجنبية على سوق القرصنة بشكل لافت، لذا فإن ممارسة القرصنة بأشكالها المختلفة تهدد الاقتصاد الوطني وتساعد بشكل كبير على تقليل حجم الاستثمارات الأجنبية الموجهة للسوق المحلي من جراء هذه الأعمال. وأشار المحامي والمستشار القانوني ساير الكريثي أن نظام حماية المؤلف هو المعني بقضايا قرصنة البرمجيات، وأضاف المطلوب تغليظ العقوبات الموجودة في النظام وتوفير المزيد من الكوادر لدى وزارة الثقافة والإعلام لتتمكن من عمل جهودها الضرورية واللازمة فيما يخص الرقابة والتفتيش والمطلوب من هيئة النظر في مخالفات حقوق المؤلف أن تغلظ العقوبات إلى حدها الأقصى وأن تحيل القضايا وفق النظام إلى ديوان المظالم لكي تصدر عقوبات بالسجن والعقوبات المالية التي تصل إلى 100 ألف ريال وأن تفعل قضايا التعويض لكل من تضرر في هذا الخصوص من قبل القضاء. متابعة دقيقة أكد مدير عام فرع وزارة الثقافة والإعلام بمنطقة مكةالمكرمة سعود بن علي الشيخي الجهود المتواصلة في هذا الصدد والمتمثلة في إتلاف الكميات الكبيرة التي تقدر بالآلاف في كل عام من المواد المنسوخة والمقلدة من الأشرطة والسيديهات والأفلام والأجهزة والمعدات المستخدمة في عملية النسخ، مشيرا إلى أنه في حالة تكرار ذلك لن يكتفي بإتلاف المواد المنسوخة والمقلدة بل سيتم فرض عقوبات مادية وإغلاق المحلات وسحب التراخيص الإعلامية من أصحابها، مؤكدا حرص المسؤولين بالوزارة على التصدي وتطبيق العقوبات الرادعة لمخالفي الأنظمة والقوانين تطبيقا والتزاما بالاتفاقيات الدولية والإقليمية الخاصة بحقوق المؤلف مما يفسح المجال للشركات الاستثمارية وتوطينها وفتح فرص عمل جديدة للمواطنين بما ينسجم مع الأنظمة والقوانين الإعلامية المعمول بها في المملكة.