عندما لا تجد ما يحفزك للفرح أو الحزن، فاعلم أن ذاكرتك قد توقفت عن الحياة! فنحن دائما ما نتهم القلب بالبلادة والجمود أو بالشوق والحنين، وفي كل الحالات هو البطل الرئيس في مسلسل انتصاراتنا وهزائمنا المتعددة! نعرف أو لا نعرف أن هناك من يقتلنا يوميا بقصص وحكايات تمر أمامنا في الطريق، في البيت، في لوحة، في كوب قهوة، على صفحات كتاب، في ديوان شعر، لتكتشف أنها الذاكرة! تجرك تلك الذاكرة الصاخبة إلى الاعتناء بها، بل تتندر عليك وهي تراك تعيشها مكرها أو راغبا لا فرق لدى تلك الذاكرة المتوجة على عرش ذكريات وصور ومواقف انتهت، ولكنها ما زالت تحيا بداخلك. للمكان ذاكرته العصية على المحو والنسيان، فالشواهد قائمة على جدران ذلك المكان برسومه وكتاباته، لتقول أن هناك من مر من هنا ذات يوم، أو عاش خذلانه أو حتى فوزه وانتصاره بلحظة فرح قدرية لا تتكرر إلا مرة في العمر! عندها يغتالك الحنين للوطن، للذكريات، للمكان للزمان، عندما تجد نفسك هناك وحيدا على ضفاف الذاكرة لمكان لا يجمعك به شطر من بيت شعر قرأته يوما وتوشح صدر ذلك اليوم! أو رائحة القهوة التي جمعتك مع ضحكات صغارك ذات فرح وهم يرسمون على جدران الذاكرة وجودهم الأبدي، فماذا تصنع بذلك الحنين الذي تورطت به وحيدا إلا من المتنبي الذي تردد معه مشتاقا: أغالب فيك الشوق والشوق أغلب وأعجب من ذا الهجر والوصل أعجب أحن إلى أهلي وأهوى لقاءهم وأين من المشتاق عنقاء مغرب وعندما تتوعدك وتهاجمك تلك الذاكرة العتيدة بنقائضها كاملة تتعجب من أمرها، فهي موضوعية حد الجنون، فهي لا تكتفي بقتلك حنينا لمن تشتاق، بل تنكأ جراحات تتمنى لو تملك ممحاة لتزيلها من جدران ذاكرتك! والأعجب أنك مع حرب الذاكرة تلك تجد نفسك معها وبها قد عقدت اتفاقا مع تلك الذكريات التعيسة، فتأتيك في كل مرة بحالة مختلفة.. تكرهها مرة، وتسامحها أخرى، وتضحك منها مرات ومرات!! تلك الذاكرة تغني لها مع الصوت الفيروزي: حبسي انت حبسي وحريتي انت!