يقول مارون عبود: «الشوق زبدة الحب، وحب بلا شوق، طعمه كالرماد»! سبحانك خالقنا، كيف جعلتنا نشتاق؟ ما كنه الشوق؟ ولم نشتاق؟ نحن نشتاق إلى الأشخاص الذين نحبهم، ونشتاق إلى الأوقات العذبة التي تجمعنا بهم أو التي كانت تجمعنا بهم ثم مضت وباتت خالية منها أيامنا. نشتاق إلى الدعابات التي كنا نتقاذفها معهم، والأماكن التي احتضنتنا وإياهم، والأرض التي طبعنا سويا خطونا على ظهرها، والمساءات الهنيئة التي نسج لنا الخيال ثوبها ونحن بقربهم، بل إننا نشتاق حتى إلى الأطعمة التي اعتدنا تناولها معهم والثياب التي كنا نرتديها عند لقائهم. ما سر هذا الشوق؟ أي معنى يحتويه!! هل الشوق يرتبط بالذاكرة حيث تعيد الذاكرة إلى الحس ذلك الجمال الغائب والهناء المفقود فتتحرك في القلب مشاعر الشوق؟ من يفقد الذاكرة لا يرتاده الشوق. وهذا يجعلني أحيانا أتساءل عن المصابين بمرض الزهايمر، أتراهم يشتاقون؟ أم هم لا يعرفون للشوق معنى؟ ذاكرتهم المعطلة أضعف من أن تقوى على استرجاع ما يغيب عنهم مما يحبون، فيصير بالنسبة لهم كأنه لم يكن؟ ارتباط الشوق بالذاكرة يجعل القلب تحت رحمتها فالذاكرة من طبعها أن تعبث بصاحبها كما تشاء، وهي تستطيع خلال دقائق قليلة أن تقلب مزاجه، من مسرة إلى كدر، ومن رضا إلى غضب، ومن هدوء إلى قلق، ومن سلو إلى حنين. هي في ذلك لا تحتاج إلى كبير جهد أو عناء، تستطيع أن تقلب المزاج بأتفه الأدوات وأبسطها، كسماع كلمة، أو لمحة عابرة، أو استنشاق رائحة، أو ترتيل نغم، أو ورود خبر أو غير ذلك من الأدوات التي توظفها الذاكرة لتثير الشوق وتقلب المزاج. الشوق قد يخدر لفترة فيستكين في مخدعه، ولكن ما إن تسطع بارقة ذكرى حتى يستيقظ كالوحش يغرس أنيابه في لحم القلب، فتكتوي حنايا النفس بحرقة اللهفة، وفي ساعة هوان يبدأ القلب ينزف كبرياءه توجدا على لحظة احتضان لمن غاب واستعادة دقائق بين يديه. في شعر الحب، يكثر الحديث عن مثيرات الشوق، كالنخلة التي تذكر النازح بوطنه وأهله، والحمام الذي يهدل فيثير نوحه الأحزان في الصدر، وسنا البرق الذي يومض فيذكر ضياؤه بوجه الحبيبة النائية، والنسيم الذي يهب فيجلب معه ريحها، وسرب القطا يمر متهاديا فيذكر تهاديه بخطوها، بل أحيانا مجرد النداء باسم الحبيبة كفيل بقلب المزاج وإثارة الذاكرة وتحريض الشوق. وحين يكون الشوق متبادلا، يصير بردا وسلاما لأنه يدفع إلى إعادة الوصال والعبّ من هناء اللقيا، ولكن حين لا يكون كذلك!! هنا، يضحي لا عزاء للمشوق سوى أن يردد مع الشريف الرضي عتابه الشجي: معاذ الهوى، لو كنت مثلي في الهوى ،،، إذاً لدعاك الشوق من حيث تسمع فاكس 4555382-1 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة