تمر اللحظات وأنا ممتلئ بك، تنزعني نفسي من نفسي، ويسكنني شعور بالوحدة، المطر يسابق أنفاسي صوب الأرض، ترتوي الأرض وأنا أبقى شاحبا، تعتريني آلاف الابتسامات، ويؤرقني الشوق، وألتهم نفسي، كلما شعرت بمخمصة فقد (2) ممتلئة هي لحظاتي بك، نمارس أنفسنا جوار البحر، نكتب اسمينا بالأصداف، وبالأحجار، تظهر في عيني حكايات لك، ويحاول الكل قراءتها بين الأجفان، قطرات المطر التي انتثرت ( 3) كعقد لؤلؤ قطعه غجري، كانت باردة كأقصى السماء، حملتك داخل معطفي، ركضت بك بعيدا، شعرك كان مبللا، انصهرنا سويا في قبلة واحدة، انغمسنا في تفاصيل اللون، احتضنتك بقوة، رقصنا، تهامسنا، حلقنا، احتضنا أجساد بعضنا، وغفونا، على أطراف قصيدة جديدة... (4) مرت أيام كثيرة دون أن تنصهر تفاصيلي بين أبيات قصيدتك، ودون أن أتنفسك عشقا يأخذني لآخر تفاصيل عالمي المسكون بك، والمجنون بك، دون أن أعانقك بكل جوارحي التي يأخذها لك سحر الصباحات والمساءات، اشتقت أن أجيء لك بقلبي الممتلئ بك، اشتقت لأن أجيء بثيابي التي تستر جسدي المدجج بخلايا عشقك، اشتقت أن أجيء بعطر واحد، وأرحل بعطرين... (5) لنافذة الطفولة، ملامح بريئة تشبه قلبها النابض بالفرح، ستائرها ذات لون يشبه شفتيها الناعمة، وإطار صورتها على الرف المجاور، أسود كشعرها البني الطويل.. لنافذة الطفولة، صوت عشق، يرسم في الأفق قلبين متلاصقين، أحدهما يعيش من الآخر، أحدهما ينشأ من بهجة، والآخر وطن للابتسامات المسافرة بين الوجوه... لنافذة الطفولة، أمل يعانق زجاجها الشفاف، ويجعل من النوافذ، قصائد للعشق، وألحان للحب، وموسيقى... (6) جدي كان يغني، كان صوته نديا، أحيانا كان يلامس السحاب، وأحيانا أخرى كان يسكن تفاصيل البيوت القديمة، جدتي كانت لها وجنتان تشبهان حبات الخوخ، وكان أهل القرية يتسابقون ليعبئوا لها دلو الماء، ويفسحوا لها لتسقي ماشيتها، قال لي جدي، كانت جدتك تغني أغنيات تشابه لحن أغنياتي، مات جدي، وصارت جدتي في كل صباح، تداعب السحاب بصوتها المرتجف، بألحان جدي، والصاخب بالفقد. إبراهيم الحارثي السعودية