قيل عن رسام إنجليزي مبدع حين رسم لحظة الغروب في الريف البريطاني: "إنه قد جعل الغروب في إنجلترا أجمل" وقد يكون هذا انطباع ناقد رأى في روعة المحاكاة ما يجمل الواقع.. ولكننا نسأل هل وجد.. أو يوجد شاعر يرينا جمالاً كالجمال الذي نراه في عيون النساء الفاتنات؟.. ويكاد يكون الجواب كلا.. لأن ذلك الجمال يرى ولا يشخص.. يحس ولا يوصف.. ولنأخذ بعض ما قيل من أجمل الأشعار في العيون الجميلة لنجد فيه سروراً وطرباً ولكن شتان.. فليس من رأى كمن وصف، ولا من سمع كمن رأى.. @@@ من كتاب (الشعر النبطي) قصائد مختارة إعداد الأستاذ محمد علي الشمري اختار لك عزيزي القارئ هذه القصيدة لشاعر شعبي لقب نفسه (فتى المهجر) وعنوان القصيدة: (عيونها) "يوم شفت عيونها سكتت عيوني مدري حقيقة عيونها ولا خيال؟! توني بس عرفتها وسهرت جفوني وش بيصير بحالتي بعد الوصال شفت بس عيونها وهم حيروني الله يعينه من يرى باقي الخصال ويوم هي تكلمت زادت جنوني والحروف اليا حكتها وسمتها بالجمال والبراقع ما ظننت بيشغولني واشغلتني.. كيف؟ ما ادري حيرت لي كل بال خصها الله في عيون بهذلوني والهدب سبحان ربي شيء فوق الاحتمال ونحن لم نر ما رأى الشاعر ولكننا لا نلومه فقد أجمع شعراء الشرق والغرب على ان في العيون الجميلة سحراً يخطف الألباب ويستعصي على الوصف.. وابن الرومي يرى أن عيني محبوبته (ذباحة) مرتين: حين تنظر إليه وحين تسبل عينيها بالرمش الجميل ثم تنظر: "ويلاه إن هي نظرت وإن هي اسبلت وقع السهام ونزعهن اليم" ان معظم الشعراء يصفون الأثر وليس الاصل، اثر العيون في القلوب، لأنهم يعجزون عن وصف جمال العيون، حتى الذين حاولوا واجتهدوا يعترفون بالتقصير.. واحمد شوقي يرى أنه حتى الجفون تعلم الغزل القاتل: "جفنه علم الغزل ومن العلم ما قتل"! ويرى أن لغة العيون هي أقوى لغات الهوى: "وتعطلت لغة الكلام وخاطبت عيني في لغة الهوى عيناك" فعينا الشاعر مفعول به، وعينا الحبيبة هما الفاعل.. الذي يفعل الأفاعيل!. @@@ (وعد لعينيك)! ومن روائع الشريف الرضي: "يا ظبية البان ترعى في خمائله ليهنك اليوم ان القلب مرعاك الماء عندك مبذول لشاربه وليس يرويك الا مدمعي الباكي سهم اصاب، وراميه بذي سلم، من بالعراق.. لقد ابعدت مرماك! وعد لعينيك عندي ما وفيت به يا قرب ما لذَّبت عيني عيناك! حكت لحاظك مافي الريم من ملح يوم اللقاء، فكان الفضل للحاكي كأن طرفك يوم الجزع يخبرنا بما طوى عنك من أسماء قتلاك انت النعيم لقلبي والعذاب له فما أمرَّك في قلبي وأحلاك! هامت بك العين لم تتبع سواك هوى من علم العين أن القلب يهواك؟! @@@ النرجس والعيون الناعسة! وفي التعبير الشعبي يقال عن العيون الناعسة (فاترة) أو (خاثرة) نظرتها خاثرة.. بمعنى أنها تجعلك لا تستطيع ان تبعد عينيك عن النظر لعينيها.. والعيون الناعسة فيها (رومانسية) وجمال جذاب، والشعراء يسبهون هذا النوع من العيون بزهر النرجس لأنه جميل في ذبوله الأنيق كأنه النسيم العليل.. يقول ابن الرومي: "وسنان قد خدع النعاس جفونه فحكى بمقلته ذبول النرجس!" وأجمل من هذا قوله: وأحسن ما في الوجوه العيون وأشبه شيء بها النرجس وقد اشتق اسم (النرجسية) عشق الذات، من (زهر النرجس) لأنه لجماله الوسنان يكاد يعشق نفسه! والشاعر رشيد أيوب يعتقد ان حب الناس يتجلى في عيني محبوبته ذات العيون الناعسة كالنرجس الساهي الساحر: "الحب في عينيك آثاره بادية كالأنجم الزاهره إذ ليس في الحب من غارس بنفسجاً في أعين فاتره وزارع الخدين من نرجس يسقيها من كفه الساحره صيرك الحب له روضة ازهارها فواحة عاطره فإن رأيت الطير تشدو على اغصانها الميادة الناضره لا تعذلي النحلة إن دمدمت حائمة.. مشغوفة.. حائره"!