ينتظرها الكثيرون على أحر من الجمر، وقبل موعد قدومها يخططون ويرصدون لأجلها الميزانيات، وقبل ميلادها تكثر الخلافات حول الوجهة، ذلك حال الإجازة التي تستعد لها الأسر ولأجلها تعد العدة في وقت يقصم الفقر ظهور البعض ممن لا يعرفون وقتها إلا بالاستيقاظ صباحا أو انتظار عودة أبنائهم من المدارس منتصف الظهيرة. توجد أسر لا تفكر مطلقا في الترتيبات الخاصة ولا تستطيع حتى الخروج من المدينة أو المحافظة التي يقطنون فيها بسبب الظروف المعيشية وقلة الحيلة أو نتيجة كثرة أفراد الأسرة وموجة غلاء الرحلات السياحية والفنادق والمجمعات الترفيهية. يذكر محمد حسن أنه يعول أسرة مكونة من ثمانية أفراد ولا يملك الدخل الكافي ليتنقل بهم وإدخال البهجة والترفيه على نفوسهم، متسائلا ماذا يمكنه أن يفعل بمرتب شهري لا يتجاوز الأربعة آلاف ريال. وأشار إلى أنه فيما لو فكر في اصطحاب أسرته لأي مكان خارج القرية التي يسكنها فإنه بحاجة إلى مصاريف يومية وتوفير متطلبات السكن والملابس كذلك الاحتياج إلى مصروف يومي للسيارة وأفراد الأسرة وكل ذلك في ظل قلة مرتبه لا يمكن لها أن تكون أو تتيسر. وأضاف: «ذات مرة فكرت في ادخار مبلغ من مرتبي يقدر بألف ريال لأجل أن أمكن أبنائي من التنزه والترفيه في أحد المجمعات التجارية القريبة من القرية وفعلا ذهبت لكن وقعت في حرج أمام العامل في الملاهي والمطعم الذي قررت أن نتناول فيه وجبة العشاء حيث فاقت المصروفات المبلغ المعتمد فخرجت أنا وأبنائي مكسوري الخاطر». وزاد قائلا: «بعد ذلك الموقف فضلت قضاء كل الإجازات في مواقع لا تتطلب مبالغ مالية حيث نذهب إلى الحدائق الحكومية المجانية أو الحدائق التي لا يكلفنا الجلوس فيها سوى فرشة ومأكولات ومشروبات تعد في المنزل». من جهته أوضح يوسف علي أنه رب لأسرة تزيد على ثلاثة عشر فردا وهو عامل بمدرسة في إحدى محافظات جازان بمرتب شهري قدره 3700 ريال، لا تكفي حتى لقضاء حوائج أسرته الكبيرة في ظل ارتفاع الأسعار، مضيفا: «مع قدوم الإجازة نذهب إلى البحر ونضع فرشة على الشاطئ ونحضر معنا ما نريد من المأكل والمشرب من المنزل مثل القهوة والشاي والمكسرات وبعض الكيك والبسكوت ونقضي الوقت قرب البحر فيما يستمتع الأطفال بالملاهي المجاورة التي وضعتها البلديات». فيما ذكر عبدالله قيسي أن قضاء الإجازة في الخارج يكلف مبالغ مالية كبيرة ولم يفكر في يوم من الأيام لأجل السفر خارج المنطقة لعدم توفر تكاليف السفر سواء داخل الوطن أو خارجه، ويضيف أن لديه أسرة كبيرة جدا مكونة من ثلاث زوجات وستة عشر فردا ودخله لا يتجاوز ستة آلاف ريال. وتابع القول: لأجل أبنائي «ابتعت مرجيحة بقيمة ستمائة ريال ووضعتها في فناء المنزل إضافة لأربع دراجات هوائية يقضون بها الإجازة إضافة إلى الزيارات العائلية التي يمكن للإنسان أن يكثفها بعيدا عن مشاغل الحياة والالتزامات المدرسية». ونوه قيسي إلى أنه يخطط مع بعض أقاربه لقضاء الإجازة في الرحلات الجماعية التي يتم فيها تقاسم المصاريف، فيقول: «نجهز للرحلات في الأودية القريبة حيث تجتمع أكثر من أسرة وتقسم المصاريف بين الجميع وهذه أنسب فكرة لقضاء إجازة على قد الحال». فيما ذكر العديد من الشباب ممن لم يذهبوا للسفر في الإجازة وهم عبدالله أحمد وإبراهيم وعيسى ووليد أن قضاء إجازتهم تكون مع ذويهم في طلعات برية أو بحرية في نفس منطقتهم والبعض الآخر يخرج مع زملائه في رحلة شبابية جماعية حيث يجمعون مبلغا بسيطا من المال لشراء ذبيحة حسب عدد الموجودين في الرحلة والقيام بطبخها في مكان عام ومن ثم لعب كرة القدم أو الطائرة ويرون أن تكاليف السفر والسياحة مبالغ فيها وليس لدى ذويهم القدرة على السفر مع غلاء الأسعار في الشقق والفنادق والمواقع الترفيهية سواء كانت في الداخل أو الخارج وقالوا إنهم متعودون على قضاء الإجازة بطريقتهم الخاصة وإنهم يجدون في ذلك الراحة والمتعة. وتقول أم محمد (من سكان مركز الحسي 50 كم من النعيرية ) «لا فرق عندي بين الإجازة في الربيع أو في الصيف ولا حتى إجازات نهاية العام الدراسي، إن الفرق الوحيد بين الإجازة والمدارس هو أن أرتاح من طلبات أولادي للمدارس التي تثقل كاهلي، أما السفر فلا نفكر فيه إطلاقا لأننا نبحث عن لقمة العيش فقط ولا نريد أي سفر. تحدثت الطفلة (ن الشمري) 8 سنوات وقالت: «ودي أروح إلى الملاهي لكن أمي وأبوي ما عندهم فلوس أنا أصلا أروح إلى المدرسة وما معي فسحة». ويذكر محمد الشمري شاب يحمل شهادة الثانوية العامة: إنني «لا أذكر أننا سافرنا إلى أي مكان بحثا عن الترفيه لا داخل ولا خارج المملكة فإن اضطررنا للسفر اضطرارا يكون لعلاج والدي المريض الكبير في السن أو أمي أو أحد أشقائي الصغار، أنا أحمل الثانوية ولكن لم أجد عملا سوى في شركة براتب 2000 ريال وهي بعيدة عن منزل الأسرة وهذا الراتب لا يكفيني بمشاوير الذهاب والعودة ولذلك نحن تفكيرنا منصب على إيجاد ما يسد الرمق من الأكل لأشقائي ووالدتي، أما السفر فإننا نعتبره من الكماليات التي لا حاجة لنا بها، وأشقائي الصغار لا يوجد لديهم حتى اللعبة الصغيرة كبقية الأطفال ومع ذلك نحن صابرون ومحتسبون ابتغاء الأجر، ونعرف أن الله لا يدعنا بهذا الحال رغم أن هذا حالنا منذ وعيت على الدنيا. أما غازي الشمري 85 عاما فيقول: «لا تسألني عن السفر فأنا رغم أن عمري وصل فوق 80 عاما إلا أنني لا أذكر أنني شددت الرحال للسفر من أجل الفسحة أو التنزه فأسفاري تكون للعلاج غالبا فأنا مصاب بمرض في الظهر وأصبحت شبه مقعد وأذهب للعلاج في المستشفيات أو الطب الشعبي وقد استدنت مبلغا من المال وسافرت إلى الحدود الشمالية لمسافة تزيد على 1500 كم بباص النقل الجماعي لأنه ذكر لي أن هناك طبيبا شعبيا يعالج أمراض الظهر ورغم الخسائر والتعب والمعاناة فلم أجده، فأنا كما ترى كبير في سن محدودب الظهر. ويقول أحمد جابر محمد عواجي 73 عاما: إني أعول 16 فردا في سجل عائلتي منهم خمسة أبناء مسجونون بتهمة السرقة وربما تكون الظروف المادية التي يعيشونها أجبرتهم على ذلك العمل والجرم. ويضيف العم أحمد: «أتقاضى مرتبا شهريا لا يتجاوز ألفي ريال وتأتيني مساعدات من مؤسسات اجتماعية وخيرية ولكنها لا تفي بمستلزمات هذا العصر الباهظة حتى أجرة منزلي لم أستطع دفعها.. وأثناء حديث «عكاظ» معه أمام منزله إلا وفجأة يحضر صاحب المنزل فجهش العم أحمد بالبكاء. وتابع القول: إن له من الأبناء خمسة وهم الكبار، وهم الآن في السجن بتهمة السرقة .. ولم يتبق لدي من الأبناء سوى اثنين مشعل 12عاما ومتعب 10سنوات وهو مصاب بمرض فقر الدم ( الانيماء ) وأنا مصاب بالروماتيزم الذي أفقدني الحركة وحاولت كثيرا البحث عن قوت أسرتي وأبنائي وتأمين رغد العيش لهم من أهل الخير والجمعيات والمؤسسات الخيرية وليس لدي حتى وسيلة مواصلات لمتابعة إجراءات تلك الجهات التي ربما تحسن من وضعي المادي ومعيشة أبنائي. أما عن قضاء الإجازة برفقة الأبناء والترويح عنهم والسفر فأضاف العواجي: نحن لا نعرفها ولانبحث عنها إننا نريد الستر في منازلنا وتأمين لقمة العيش وأجرة المنزل ومصاريف الأبناء فقط. وفي مشهد آخر يعيش العم يوسف محمد معسوف 55 عاما في منزل شعبي متهالك ويعول أسرة مكونة من 13 فردا ويقوم على شؤونهم بعد تقاعده براتب شهري قدره 1999 ريالا فقط بعيدا عن حنان ورعاية والدتهم التي هجرتهم منذ أربعة أعوام بسبب إصابتها بمرض نفسي وإقامتها عند أهلها وأسرتها. يقول معسوف: نحن لا نملك حتى سيارة ونتنقل بالمشاوير لقضاء حوائجنا ومستلزمات المنزل، وجزء من أبنائي من البنات يقمن عند عمتهن والبقية عندي وفي منزلي لتحقيق رغبة لديهم بعد فقد حنان الأم.. وعن قضاء الإجازات والسفر والاستمتاع برفقة العائلة قال: « إننا لا نخرج من المنزل إلا لقضاء حوائج وضروريات الأسرة ونعود إليه». وعن هذه الحالات يقول مدير عام الشؤون الاجتماعية بمنطقة عسير بالإنابة صالح علي الزهيري: إن الله سبحانه خلق الغني والفقير وقدر أرزاقهم وفضل بعضهم على بعض وجعل بعضهم فوق بعض درجات، وأمر الأغنياء بدفع الصدقة وجعل الزكاة ركنا من أركان الإسلام يستفيد منها الفقراء والمساكين وهذا من سماحة الدين الإسلامي، ومن هذا المنطلق فإن المساهمة في إدخال البهجة والسرور على نفوس هذه الشريحة من المجتمع أمر مهم، وإني أرى أن الاستفادة من أصحاب الشركات ورجال الأعمال ومن رموز المجتمع بالتعاون مع بعض مؤسسات الطوافة في تنفيذ برامج للأسر الفقيرة تتمثل في استضافتهم والذهاب بهم إلى الأماكن المقدسة لأداء العمرة وزيارة المسجد النبوي الشريف وذلك لتحقيق هذا الهدف سواء على مستوى العزاب أو العائلات. فبالنسبة للشباب فهناك الأندية الاجتماعية والرياضية ومراكز الأحياء يجب أن تسهم في القضاء على أوقات فراغ الشباب بما ينفعهم خصوصا في أوقات الإجازات وذلك من خلال تنفيذ برامج وأنشطة تأهيلية وثقافية واجتماعية ورياضية وصحية ودينية وتربوية داخل المعسكرات التطوعية ويكون ذلك تحت إشراف متطوعين ومختصين من ذوي الخبرات في مثل هذه المناشط وذلك لتحقيق توازن اجتماعي يواجه المستقبل ويتغلب على صعوبات الحياة. ويضيف الباحث الاجتماعي في الجمعيات الخيرية علي آل جرمان بقوله: إن هذه الفئة من الفقراء تعاني كثيرا في الحياة، وإن السبب الرئيسي في تردي حالتها المادية هو عدم قبولها بالعمل والكفاح وأيضا غياب دور المؤسسات الخيرية والقيام بواجبها على الوجه الأكمل فليس المطلوب منها تقديم الغذاء والمساعدات العينية والمادية فقط بل ينبغي تقديم دورات في المجال الاجتماعي وتثقيف هذه الفئة وتوظيف الأبناء من هذه الأسر ومتابعة الأسر ببرامج تضعها هذه المؤسسات لإنجاح عملها والقضاء على ظاهرة الفقر.. أيضا التجار لهم دور كبير في تبني مثل هذه الأسر عبر الجمعيات الخيرية والمؤسسات الاجتماعية، كذلك رفع الإعانات عن طرق الجهات ذات العلاقة الحكومية مثل الضمان الاجتماعي والشؤون الاجتماعية كل ذلك من شأنه الارتقاء بخدمة الفقراء والحد من ظاهرة الفقر وتلمس احتياجاتهم بالدور الذي يضعهم في وضع اجتماعي متوسط. ويشاطره الرأي الدكتور منصور عوض القحطاني عميد شؤون المكتبات بجامعة الملك خالد وعضو المجلس البلدي بقوله: إن لجان التنمية الاجتماعية والمؤسسات الاجتماعية والمجتمع والأعيان من المشايخ والعمد في الأحياء هم عليهم مسؤولية ودور كبير في هذا المجال وتكاتف المجتمع بكافة شرائحه في مساعدة أصحاب الدخل المحدود في المجتمع ووضع البرامج الترفيهية لهم في مواسم الأعياد والإجازات في الأحياء نفسها، والجهات الحكومية لها دور في المساهمة والدعم في ذلك الأمر مثل وضع أماكن وساحات في الأحياء الفقيرة وإنارتها من قبل البلديات، وكذلك القطاع الخاص لابد أن يكون له دور فعال بدعم هذه الأسر المحتاجة حيث ينبغي العناية بهذه الفئة من الطبقة الفقيرة وإدخال البسمة والفرحة عليهم وعلى أبنائهم بصور متنوعة، وليس بالضرورة أن تكون بالمال بل بالتواصل الاجتماعي وعمل البرامج التي قد تخفف من معاناة هذه الفئة. وأوضح عوض القرشي الذي يعمل بائعاً للخضار والفواكه في الطرق العامة منذ ما يقارب 10 سنوات أنه نظرا لعدم قدرته على تأمين قوت أبنائه فيجد في تجارته على السيارة المتهالكة ما يسد حاجتهم، مشيرا إلى أن ما يكسبه في يومه الشاق وتحت أشعة الشمس الحارقة لا يتعدى 150 ريالا. وفي هذا السياق يقول حمدان الهذلي موضحا أنه طالب جامعي يعول والدته وأخواته لسد حاجتهم ببيع الخضار والفواكه، حيث أنه بعد انتهائه من الدراسة يبدأ بتجارته، مؤكدا أنه لا يوجد لديه وقت للاستمتاع بالإجازة وكل ما يهمه هو إيجاد قوت يومهم، وفي الشأن ذاته يقول طارق محمد غروي أنه يبيع مياه زمزم على الطرق العامة لسد حاجة أبنائه وإيجاد قوتهم اليومي، مؤكدا أنه يعول 13 نفسا من عائلته وعلى رأسهم والدته. وأشار إلى أنه كان يعمل في القطاع العسكري وتم تقاعده، وفي الشأن ذاته يضيف غروي «الديون تراكمت علي وتوقفت كل معاملاتي بسببها حتى بطاقة أحوالي لم تجدد منذ فترة ليست بالقريبة لأنني لم أسدد هذا الدين وأكد الغروي أن أبناءه بعد الانتهاء من الدراسة يساعدونه في بيع مياه زمزم، مؤكدا أنهم لا يتمتعون بحقهم في الإجازة ويعود ذلك لبحثهم معه عن لقمة العيش.