كشفت سيول جدة القناع عن بعض أحياء المدينة، فظهرت على السطح معاناة الأسر التي تقطن أقصى الشرق، فبين الفقر والجوع عامل مشترك هو تلك الأسر وأفرادها التي تعيش على أطراف المدينة، ولا تعرف عن الحياة الكريمة سوى اسمها. خلف أسوار المدينة يعيش أحمد الصبياني و 11 نفرا، يقتاتون الجوع والجهل، ويمارسون حياتهم بشكل غير طبيعي وبخلاف الوضع الذي تعيشه الأسر، اصطحبنا إليهم يوسف الزهراني أحد المتطوعين في الهلال الأحمر، الذي قصده الصبياني لساعات طويلة طالبا منه الغوث، يقول الزهراني: «تفاجأت بالرجل يطلبني أن أذهب معه لرؤية منزله، وحين سألته عن الحالات المصابة ذكر لي أنه لا يوجد أحد مصاب، فطلبت منه الانتظار». ويضيف «رافقته نحو منزله الكائن بحي أم السلم، فصعقت مما شاهدته، فذلك لم يكن سوى سواتر بسيطة وعشش غير صالحة للعيش، ففحصت أبناءه العشرة، واتصلت بفريق ميادين لتقديم الدعم والمساندة لهم». «شمس» زارت الصبياني، الذي لم يكن المكان يسعفه ولا الإمكانيات لتقديم كأس ماء، فروى لنا قصته بالتفصيل، يقول الصبياني: «لا أحلم في هذه الحياة بأكثر من منزل يغنيني وأسرتي عن هذا المكان الذي يحتوي على غرفتين من حديد وبقايا خشب»، ويضيف: «لا يوجد في منزلي مطبخ ولا دورة مياه، ما يضطرنا إلى قضاء حاجاتنا في الخلاء». وتنهمر على خد أحمد عبرة، فسّرها بظلم ذوي القربى، حيث أكمل حديثه قائلا: «الضمان الاجتماعي يعطيني شهريا 800 ريال، لذلك لم أجهد تفكيري في الحلم بشقة في المدينة بسبب ارتفاع قيمة الإيجارات، وأخي باعني الأرض بأكثر من 40 ألف ريال، ويطلب مني قسطا شهريا يتجاوز 1500 ريال، ما اضطرني وأبنائي إلى مد أيدينا للمحسنين، فهذا يعطينا وذاك يصدنا، فأصبحت مكرها على لف المدينة من أقصاها لأقصاها كي لا يعرفني الناس». وعن كيفية تأمين مصروف المدارس لأبنائه قال الصبياني: «المشكلة أن أولادي لا يدرسون، فهم غير مضافين في كرت العائلة، فقد أجبرتني الظروف على عدم إضافتهم، فتراكمت علي الغرامات حتى بلغت تسعة آلاف ريال، والآن هم أولادي ولكن من دون أوراق ثبوتية، كل هذه الأمور حرمتني من الحصول على مبلغ جيد من الضمان الاجتماعي، وضمنت مستقبلا مظلما لهم؛ لأن مأساتي ستتكرر، وأخشى عليهم الضياع». أبناء أحمد كانت ملامحهم يكسوها الوجع واليأس، فقد تحدث أحدهم بقوله: «نذهب مع والدنا للتسول كي نستطيع العيش مثلما يعيش الآخرون، فحين أخرج في الصباح أشاهد الطلاب يذهبون لمدارسهم يطلبون العلم ونحن نسأل الناس إحسانا». ويضيف بعد أن خنقته دموعه: «حين نذهب مع والدنا للبقالة نشتهي بعض الحلويات، لكن أبي يقول لنا: نشتري بقيمة الحلوى خبزا يسد جوعنا». ويعود أحمد للحديث قائلا بحزن: «منذ شهر ذي الحجة حتى اللحظة لم أستطع شراء أدوية السكر والضغط، وأخشى أن أموت ويتيتم أبنائي من بعدي ليواجهوا الفقر وحدهم».