قالوا إن أقصر الطرق إلى قلب الرجل معدته ، فهي التي تبلغ بها حواء الجزء الأكبر من رضى آدم ، ولكن اليوم اختلفت النظرة في الوقت الذي غزا فيه الرجل المطبخ وأصبح له صولاته وجولاته لا سيما أن فن الطبخ أصبح يدرس وتمنح إزاء إتقانه شهادات عليا. «عكاظ» اقتحمت عالم الرجل الطباخ «الشيف» واستنطقت دارسي الطبخ على أصوله وتحاورت مع متدربين يبحثون عن الإتقان ومن ثم بلوغ العالمية والشهرة ، وفي البداية تحدث الشاب وسام خالد عبدالحق عن خطواته الأولى الخجولة قائلا «خالجني شعور بالخوف والقلق قبل انضمامي لفريق التدريب ، وأول ما تبادر لذهني نظرة المجتمع وتعليقات الأصدقاء». أضاف وسام: «أعدت التفكير في الأمر وقارنت بين بقائي في المنزل والخروج للعمل الشريف فوجدت أن العيب الحقيقي أن أبقى عالة على من حولي والأجدر بي أن أكدح وأكسب من عرق جبيني». واستطرد قائلا «تقدمت بطلب شرحت فيه رغبتي في الانضمام لفريق التدريب، فتشجعت وبدأت التدريب من الصفر ووصلت الآن إلى مرحلة الإتقان وتعلمت مهارات لها علاقة بالجمهور وكيفية التعامل معهم، أيضا لم يكن الاهتمام منصبا على إعداد الطعام بل تجاوز ذلك للأناقة وفن التعامل والاهتمام بالملبس والمظهر الخارجي وإطلاق أسارير الملامح وتدريبها على الابتسامة التي تعتبر مفتاح كل الأبواب. ويذكر محمد أحمد ثريا، القادم من المنطقة الجنوبية للتدريب أن الأمر بدأ بدعابة مع أصدقائه حين اطلع على إعلان يطلب متدربين في مجالات السياحة والفندقة والطبخ والاستقبال «تقدمت وسجلت معلوماتي ودونت رقم جوالي، وبعد فترة قصيرة تم إبلاغي بأنه تم قبولي ويمكنني بدء التدريب لتصبح المزحة واقعا والدعابة مصدر رزق يحتاج للمثابرة». وزاد متحدثا: «قلت في نفسي لم لا، وفعلا ذهبت والتحقت بالزملاء، وبدأت التعلم ، خطوة بخطوة، وتفاجأت بأن الجهد المقدم لتعليمنا يهتم بأدق التفاصيل والتركيز على المجهود العملي تنفيذا وتطبيقا، فقد تعلمت معهم طريقة اللبس بالطريقة الصحيحة والتنسيق وطريقة سكب الماء وشربه ، وكيف أبدأ بالتحدث مع الآخرين وكيف أنتهي» وتابع ثريا القول «لا توجد لدي مشكلة أبدا في مواجهة المجتمع بعد أن تغيرت نظرتهم لنا كسعوديين، لأننا وبصراحة تفاجأنا بتقبل المجتمع لنا، فعند سؤالهم لي عن مكان عملي، فأخبرهم بأني أتدرب على مهنة الطبخ، فيعجبون بحماسي ويباركون لي كسر حاجز الخجل والخوف من المجتمع وينصحونني بالاستمرار». أما عبد العزيز محمود فطاني فيقول «تعلمت الطبخ والاستقبال وغسل الصحون ، فوجدت أنها مهمة جدا وتفيدني حتى في حياتي الخاصة، ولا أجد حرجا في التقدم لبنت الحلال بغرض الزواج، وأرى بأن نظرة المجتمع تغيرت كثيرا، ولم يعد هناك ما يخجل، وأفكر في تكملة دراستي بعد الدبلوم خارج البلاد حتى أكتسب مهارات أخرى». وأضاف قائلا: «تعلمت التحدث باللغة الإنجليزية وطريقة التعامل مع المدير، وأدب التحدث مع الآخرين ، والتعامل مع المزاجيات المختلفة ، وهذه أمور ليست مهمة في مجال العمل وحسب بل إنها مفيدة في الحياة الخاصة، فلقد تغير تفكيري وتبدل مزاجي فالشخص المنتج الذي يفيد نفسه خير من النائم في داره». ونوه فطاني إلى أنه واجه انتقادات لاذعة في بداية الأمر خصوصا من أسرته إلا أنه استطاع التغلب على ذلك «واجهت بعض الانتقادات خاصة من الأهل وهي من باب الخوف من نظرة المجتمع وتعليقاتهم، ولكن فاجأتهم أني أستطيع التأقلم على الوضع ، وبالفعل واجهت بعض التعليقات من الناس وهم قلة ولكني تجاوزتها وأكملت طريقي دون أن ألتفت إلى ذلك». من جهته تساءل محمد عباس باسنبل عن النظرة القاصرة التي يتبناها بعض أفراد المجتمع ممن ينتقصون عمل الرجل في مجال الطبخ في وقت يعدون فيه الوجبات الخفيفة من خلال البسطات الرمضانية وغيرها إضافة إلى الطبخ أثناء النزه الشبابية . وأضاف «مازالت رهبة الالتقاء الناس والجمهور موجودة ، ولم أتجاوزها ولكنها لم تعد كبيرة كما كانت في السابق كما أن لدي الردود على كل شخص يشكك في قدراتنا في العمل أو في المهنة التي نمتهنها، وقد تعلمنا فنون الحديث مع الناس بشتى أساليبهم. والابتسامة دواء لكثير من الأمراض، وهي بمثابة ماء بارد نسكبه على النفوس المشتعلة». وعن شعوره الحالي يقول «نشعر بسعادة غامرة عندما نأكل من عمل أيدينا، ونقوم بالتعليقات المضحكة على بعضنا خاصة في أيامنا الأولى، وكيف أن الأكل زاد ملحه أو قل، أو احترق الأكل» . وزاد «تعلمنا أن الأكل ثقافة، وأنه يرتبط بالمزاج والذوق، ولذلك يغضب الناس حين يذهبون لمطعم معين بغرض أكل وجبة محددة ولا يتقنها الشيف، تثور ثائرته والأمر من أبسط حقوقه، فالقصة مرتبطة بالعقل وتؤثر على مزاج الشخص». من جهته قال ماهر بنتن «نتمنى أن نكون قدوة حسنة للشباب ، فعندما كنا مترددين نصحنا الآخرون بمزاولة التدريب والالتحاق سريعا ولم نندم ، وبصراحة تحدثت مع أصدقائي للالتحاق بالتدريب وكسب المهارة والسعي لبناء المستقبل الناجح». فيما قال فالح الزهراني: إنني أتدرب في المجال السياحي، وعملي الأساسي تأكيد الحجوزات وإلغاؤها وإصدار بطاقة صعود الطائرة، وهي مهنة ممتعة وجميلة ، تكسبني ثقافة واسعة وأتعرف من خلالها على ثقافة البلدان والناس والمجتمع، فقد كنت شديد الخجل في السابق، أما الآن فقد اختلف الوضع تماما». وأضاف بقوله: «واجهت بعض التعليقات في البداية والانتقادات، وخاف أهلي من عدم قبول (بنت الحلال) للزواج بي فقد يظنون أن وظيفتي متواضعة ولا أحصد فيها كثيرا، والعكس صحيح، فلقد تهافتت علينا شركات الطيران ونحن مازلنا في التدريب، والمجتمع يرغب في دعمنا كشباب سعوديين». أما ريان منشي فيقول: أخبرني صديقي بأن هناك إعلانا للشباب السعوديين برغبة التحاقهم بأحد المعاهد للتدريب، ونصحني بالالتحاق والتسجيل فيه، وأشغلني التفيكر في الموضوع لفترة ، وقررت بعدها إرسال معلوماتي للجهة المعلنة وتم قبولي، وبدأت فعليا ممارسة التدريب، ووجدت بأن الأمر ليس مخيفا كما كنت أتوقع ، وبالنسبة لبعض الناقدين تعلمنا كيفية التعامل معهم بكل أدب . من جهته، قال رئيس مجلس إدارة الأكاديمية السعودية الدولية للسياحة والفندقة في قرية مرسال هيثم نصير، خطوتنا في البداية كانت بمثابة تحدٍ كبير لأن الموضوع جديد في السعودية ولا تتقبله إلا نسبة قليلة في المجتمع، ولكن تصميمنا على البدء بالعمل في هذا المجال أسهم في نجاحنا، ففي البداية كان عدد المتدربين 30 شخصا فقط أما الآن فهم 500 متدرب، والطلب كثير من الشباب رغبة في الالتحاق بسوق العمل والاندماج مع المجتمع. وزاد بقوله: يتدرب الشباب على كيفية العمل في الفنادق وإدارتها والمطابخ والمطاعم والاستقبال، والغريب في الأمر أن بعض المستشفيات تطلب الشاب السعودي وخاصة النساء للعمل معهم كمنسقين ومنظمين وذلك لنتاج خبرتهم وثقافتهم الواسعة في هذا المجال. وأضاف بأن الأكاديمية حرصت بالتعاون مع صندوق الموارد البشرية في الحصول على قاعدة بيانات، ومعلومات عن الشباب العاطلين، وتم استقطابهم للتدريب والتوظيف في مجالات السياحة والفندقة والترفيه والمهن الأخرى. وأشار إلى أن البرنامج التدريبي لا يقتصر على الجانب النظري بل مزاولة النشاط الفعلي العملي في مواقع الخدمة نهاية الأسبوع تحت إشراف المدربين في الأكاديمية، معتبرا ذلك جزءا أساسيا من أعمال التدريب وتأهيل الشباب لضمان نجاح البرامج. وأكد نصير أن التدريب العملي الميداني وممارسة الشباب للعمل التطبيقي يسهم في نجاحهم، وذلك لممارستهم واحتكاكهم بالجمهور وهو كفيل بإزالة الرهبة من قلوبهم وتشجعيهم على حصد الأفضل.. وختم بالقول «يأتي بعض الشباب في البداية وهو مرتعب من المرحلة الجديدة في حياته، ولكننا نعالج هذا الأمر في وقت وجيز فالطالب يتجاوز ذلك في مدة أقصاها شهران».