رغم التحديات والصعاب التي تواجههم من نظرة المجتمع لاختيارهم تخصصات "سياحية وفندقية" تحد من بطالتهم وتؤمن مستقبلهم الوظيفي، إلا أن عزيمتهم وإصرارهم دفعاهم لتخطي كل المعوقات، وأثبتوا أنهم قادرون على العمل الشريف وتقديم الخدمة اللائقة للزوار والنزلاء في العديد من الفنادق والمنتجعات السياحية. ولأن المفهوم الاجتماعي السائد حول "المعاهد السياحة" مرفوض إلى حد ما لدى غالبية أولياء الأمور بسبب النظرة القاصرة للمهن، إلا أن المزايا والفرص الوظيفية التي يمنحها المجال السياحي شجعت بعضا من الشباب السعودي للانخراط في هذه الأعمال بعد أن تلقوا تدريبهم وتعليمهم في معاهد متخصصة من بينها معهد السياحة التابع لجامعة الملك عبدالعزيز والذي يحظى بدعم كبير في توفير الكوادر المؤهلة والتجهيزات التقنية وبات ينافس معاهد السياحة العالمية. تحدي الصعاب ويعتبر الطالب بمعهد السياحة في جامعة الملك عبدالعزيز أحمد الغامدي "مستوى أول" أن الدخول في معهد السياحة فرصة لتعلم مجالات جديدة لا يعرفها الكثير من السعوديين، موضحا أن المعهد يضم قسمين، قسم الفندقة والضيافة (Ht) وقسم السياحة والسفر، إلى جانب الأجهزة الإلكترونية، وأن المعهد يضم كوادر للتدريب ذات خبرة في مجال السياحة والسفر. وبين الغامدي أنه لا يوجد هناك وعي كاف للمجتمع نحو أهمية دخول الشباب السعودي في مجال السياحة والسفر، خاصة أن أهمية هذا التخصص تساهم في خدمة الوطن والاستغناء عن العمالة الأجنبية التي تسيطر على هذا المجال. ويتذكر الغامدي بداية انخراطه في معهد السياحة، والصعوبات التي واجهته وتتمثل في رفض أسرته وأقربائه لمستقبل الوظيفة، لكن إصراره ورغباته في الاختيار وعدم الميل لرغبات الآخرين على حساب مستقبله لأجل نظرة المجتمع دفعته أن يرسم لنفسه مستقبلا واعدا من خلال التوجه إلى احتياجات سوق العمل السعودي التي من ضمنها العمل في مجال الفندقة والسياحة. نظرة قاصرة ويتفق الطالب في معهد السياحة رياض عيسى مع الغامدي في أن الدخول في مجال السياحة والفندقة لا يجد قبولا من الشباب السعودي بسبب نظرة المجتمع، وأن المفهوم المتداول بين خريجي الثانوية العامة والمجتمع حول هذا المجال محدود ويناقش في أطر ضيقة ونظرة دونية قد تفوت قطار المستقبل على الشباب الباحث عن عمل. وأوضح عيسى أن العمل في السياحة والفندقة من المجالات التي ما زالت فرصها متوفرة في سوق العمل، خاصة أن مجال السياحة يشكل ثاني دخل للمملكة بسبب المقومات التي تمتاز بها، في حين يفوت الكثير على الناس أن تجربة الدراسة في معهد السياحة تمكن الخريج من الحصول على مهنة ذات قيمة اجتماعية مرموقة، دون النظر إلى العادات البالية التي تقف حاجزا في طموحات الشباب للعمل في مجال الفندقة والسياحة، ومنحت الفرصة للعمالة الأجنبية في التوغل داخل المنشآت السياحية. التدريب العملي وأمام ما يواجه الشباب من تحديات يشير الطالب حسين بامشموس إلى أن معهد السياحة في جامعة الملك عبدالعزيز من المعاهد العالمية التي تمكن الطالب من الحصول على دبلوم بالفندقة والسياحة، إلى جانب الإمكانات التي يتيحها المعهد للطلاب، إذ لا يكتفي بإعطاء الدروس النظرية بل يمكن الطالب من الحصول على تدريب عملي حتى يكون لدى الخريج قدرة وإمكانية في التعامل مع كافة أسس العمل الفندقي. ويلفت بامشموس إلى أنه لا يلتفت إلى كل الانتقادات التي ترده حول دخوله في هذا المجال، مضيفا "من ينتقدني أشخاص لا يحبون العمل إلا تحت أجهزة التكييف ويبحثون دائما عن الأعمال الروتينية"، موضحا أن العمل في مجال الفندقة يمكن الشاب السعودي من التعامل مع الزوار ورجال الأعمال خاصة في مدينة جدة والتي تعد من المدن السياحية التي يتهافت إليها الزوار من جميع الدول، فوجود الشاب السعودي في هذا المجال يعكس الواجهة السياحية المشرفة للبلاد. خيار استراتيجي إلى ذلك، أوضح عميد معهد السياحة في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور زهير عبدالله طيب أن قرار إنشاء المعهد جاء تلبية لمتطلبات الخطة الوطنية للتنمية السياحية في المملكة، وتفعيلا لما تبنته الهيئة العامة للسياحة والآثار من جعل القطاع السياحي كخيار استراتيجي لتنويع مصادر الدخل الوطني، إضافة إلى توفير فرص عمل في المجال السياحي. وأكد طيب أن المعهد يساهم في الاستراتيجية عن طريق تأهيل كوادر وطنية سعودية ذات كفاءة عالية وخبرة في مجال صناعة السياحة من خلال تعليم الطلاب بالأسس العلمية والمنهجية في التخصصات التي يقدمها المعهد وربطها بالتدريب العلمي والممارسة الميدانية، وكذلك من خلال الشراكة مع أفضل المدارس العالمية في مجال صناعة السياحة ومن أهمها معهد "لوزان" للضيافة وإدارة الفنادق السويسري الذي يعد المعهد الأول في العالم في مجال الفندقة والسياحة وذلك للإشراف الفني والأكاديمي على معهد السياحة بالجامعة. ترقيات وابتعاث وأضاف عميد معهد السياحة أن الطالب حينما يتخرج من المعهد يحصل على درجة دبلوم ومعترف بهذه الشهادة عالميا، يجد فرصا وظيفية جديدة في مجال الفنادق والمطاعم على أن يكون مشرفا أو مديرا نتيجة حصوله على التأهيل المطلوب في سوق العمل بدرجة عالية، مضيفا أن المعهد يتلقى العديد من الطلبات في توفير فرص وظيفية لخريجي المعهد إلى جانب إعطائهم مميزات تتمثل في الترقية والابتعاث والرواتب الجيدة. وكشف عن أن هناك العديد من العاملين في مجال الفندقة ليست لديهم الكفاءة والقدرة التي يتميز بها طالب معهد السياحة في جامعة الملك عبدالعزيز نتيجة أن هؤلاء العاملين لم يتمكنوا من الحصول على التدريب والتأسيس الصحيح في مجال الفندقة والسياحة، حيث يقدم المعهد 80% تطبيقا عمليا دون الاعتماد على الناحية النظرية، والبرنامج الذي يقدمه المعهد عبارة عن سنتين دراسيتين يتخللها أربعة فصول، ويعد الفصل الثالث من أهمها ويقضيه الطالب تدريبا عمليا في منشأة سياحية لمدة ستة أشهر، مؤكدا أن الدراسة في المعهد تتم باللغة الإنجليزية إلى جانب الحاسب الآلي مما يؤهل الطالب تأهيلا سليما يمكنه ذلك من إيجاد فرص وظيفية مرموقة. تدرج الدراسة وأكد طيب أن معهد السياحة عبارة عن قسمين أولهما "الضيافة وإدارة الفنادق"، وثانيهما "السفر والسياحة" حيث يركز المعهد على القسم الأول بالتعاون مع الجهة السويسرية حسب الاتفاقية، فيما سيتم العام المقبل افتتاح القسم الآخر والتوسع ووضع استراتيجية لافتتاح قسم خاص للطالبات حتى يتمكن من الالتحاق بالمعهد ومن ثم دراسة مرحلة البكالوريوس بطريقة تدريجية، في الوقت الذي يمنح القطاع الخاص العروض العالية. وأفاد بأن الإحصائيات التي قامت بها الهيئة العامة للسياحة والآثار تشير إلى أن الفرص الوظيفية المباشرة وغير المباشرة المتوقعة تبلغ 974 ألف وظيفة، لافتا إلى أن هذا الرقم يدفع باتجاه الاهتمام بهذا المجال، مضيفا أن المعهد يسهم في نشر الوعي السياحي في المجتمع عن طريق البرامج التعريفية واللقاءات العلمية وإقامة المعارض وورش العمل التي تشجع السياحة وتروج لها، والمشاركة في فعالياتها الداخلية والخارجية كذلك يهدف المعهد إلى تطوير وتحسين الأداء اللذين يتم بهما قياس المستويات والمهارات الأكاديمية للطلاب من أجل إعداد قوى بشرية وطنية مؤهلة للعمل في مجال السياحة بالمملكة. مهارات خاصة من جهته، يقول المدرب في تقنيات إدارة المكاتب الأمامية بمعهد السياحة بجامعة الملك عبدالعزيز فرات المحسن إنه لا بد أن يكون للطلاب العديد من المهارات الخاصة في التعامل مع الجنسيات المختلفة في المجال الفندقي، فيما يقوم المعهد بتدريب الطلاب على أحدث الأنظمة في الحجز الفندقي بدءا من العمليات الحسابية إلى التدبير المنزلي، حيث يقوم أعضاء هيئة التدريس بالمعهد بتدريب الطلاب على ما يحتاجه السوق السعودي للعمل الفندقي، إلى جانب تمكين الطالب من إتقان مهارات الاتصال، مضيفاً أن تدريب الطلاب على الجانب العملي في معهد السياحة ذو أهمية شاسعة حتى يتم تخريج كوادر على كفاءة عالية وخبرة. تعلم الطهو ويضيف مدرب الطبخ الشيف رياض عبدين أن الطالب يتلقى بشكل يومي 3 ساعات نظريا ثم يتم إدخالهم المطبخ لتطبيق العديد من الأصناف ذات الجودة والقيمة الغذائية، مشيرا إلى أن بداية دخول الطلاب للمطبخ وتلقي الدروس تواكبها صعوبة نتيجة اختلاف ثقافات المجتمع، وبعد مرور الأيام أصبح هناك تقبل لدى الطلاب وإتقان في صنع أصناف متعددة من الأطباق تحت إشراف ومتابعة طهاة مختلفين. طموحات لا تتوقف وزاد اختصاصي إدارة الفنادق المشرف على معهد السياحة أكاديميا وعلميا بجامعة المؤسس الدكتور أشرف غريب أن المعهد يقوم بمتابعة الطلاب من الناحيتين الأكاديمية والعلمية، وتنفيذ الخطط إلى جانب المعايير الأكاديمية المختلفة التي تحقق جودة عالية في الدراسة، مبينا أن المواد التي تدرس عبارة عن خليط من مواد خاصة بإدارة الفنادق والضيافة ومواد خاصة بالإدارة، إلى جانب التدريب العملي في أحد الفنادق لمدة ستة أشهر. وأضاف غريب أن وجود الشباب السعودي في مجال الضيافة في الفنادق من الأولويات التي لا بد أن يهتم بها المجتمع خاصة أن الشباب السعودي قادر على خدمة بلاده بدلا عن العمالة الأجنبية المسيطرة على مجال الفندقة، مؤملا أن يساهم المجتمع في تغيير النظرة القاصرة للمهن الفندقية التي تتوافر فيها فرص العمل في كل المدن، مشيدا بنجاحات الشباب السعودي الذين ضربوا أمثلة في الكفاح وحققوا أحلامهم بأن أصبحوا يديرون فنادق ذات مستوى عال جدا.