أكتب اليوم والغصة تملأ حلقي من مرارة ما يلحق بحال منتخبنا اليوم، وما آل إليه وضعه المخجل الذي يرثى لحاله، وأرى الحزن المطبق على جمهوره الوفي الذي بح صوته وهو يسابق الأخضر «من محطة إلى محطة» هاتفا وداعما ومشجعا. لقد سخرت القيادة السياسية دعما لا محدودا لخدمة الرياضة والرياضيين؛ من أجل الرقي بالرياضة السعودية إلى أعلى المستويات، ولكن كعادته في السنوات الأخيرة يأبى المنتخب إلا أن يخيب آمال جمهوره والقيادة به، فإلى متى ستظل أماني وأحلام الجمهور السعودي مؤجلة، وهو يشاهد الأخضر يتعكز من انتكاسة إلى أخرى، يا ترى ما هو السبب؟ ولماذا هذا التردي الذي أصاب منتخبنا الوطني، وأصاب رياضتنا في الخاصرة؟ إن الناظر المتفحص في حال الرياضة السعودية يرى بأنها تسير في الاتجاه المعاكس، فجميع أندية العالم ومنتخبات المعمورة في تقدم، بينما نحن في ترد وتقهقهر، وتراجع مستمر لا يسر حبيبا ولا طبيبا. فهناك بيئة فوضوية تعيشها رياضتنا بكل مدخلاتها، فالمشكلة لا تكمن في المدرب فقط كما يرجعها الكثيرون! وإن كان المدرب جزءا من هذه المشكلة، إذ يتضح أن هناك لاعبين غير منضبطين تكتيكيا، واحترافيا، ولياقيا، وغير جاهزين نفسيا وغذائيا لخوض المباريات، فلاعبونا غير مؤهلين للعب باحترافية كما هو مأمول منهم، وتمثيل المنتخب بالمعنى الحقيقي للاحترافية. حقيقة لا يمكن لنا جميعا أن ننكرها وهي أن من أسباب انتكاسة الكرة السعودية ذلك التهاون واللا مبالاة من قبل لاعبين يواصلون الليل بالنهار سهرا وترحا، يدخنون الشيشة والأرجيلة والدخان، وهم في سفر دائم، وعدم انضباط لحضور الأندية والمعسكرات الرياضية مما يفقدهم موهبتهم ومهاراتهم ولياقتهم. وفي المقابل نجد إعلاما رياضيا تفوح منه روائح المجاملات، والكذب، والنفاق، والتعصب وصحفيين رياضيين للأندية يتكلمون بميولهم وآرائهم وينطلقون في تحليلهم لواقع الرياضة وشؤونها من حبهم وبغضهم، دمروا المبدعين بإطرائهم لهم، وأضاعوا آخرين بسبب انتقادهم الدائم وغير المنطقي، ليس لسبب إلا لأنهم من أندية منافسة، إعلام متعصب يعمل على التأجيج بين الأندية واللاعبين والإداريين، والشحن الجماهيري المقيت، الذي لم تجن الرياضة السعودية منه سوى المزيد من الانحدار و التقهقر والتراجع. تشتكي الرياضة السعودية من رؤساء أندية قفزوا إليها للبحث عن الشهرة والسمعة والوجاهة، أكثر من بحثهم عن وسائل وآليات لتطوير الرياضة، فهم لا يهمهم ما آلت إليه أوضاعها. فالاحترافية في العمل الإداري عندهم غائبة، وتنقص إدارة الأندية الكثير من الفهم الإداري والسلوكي، والمعيب أننا في كل مرة نعلق أخطاءنا على المدرب كشماعة جاهزة نتذرع بها في حال الفشل ونطالب بإقالته، إلى متى وتاريخنا أسود في إقالة المدربين، إلى متى ستظل هذه الغشاوة تغطي أعيننا وتجعلنا غير قادرين على معرفة الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذا الفشل المتكرر؟ اللاعب الأجنبي له دوره أيضا في انتكاسة الرياضة السعودية، ومشاكلها المستمرة، فقد عمل هذا الأجنبي على عزل اللاعب المبدع، وأجلسه على دكة الاحتياط، ما الذي أصاب الأخضر، احتراف سمح لمن يملك المال من الأندية أن يشتري من يشاء من اللاعبين البارزين ليجلسهم على دكة الاحتياط ويفقدهم تألقهم، مثل ذلك الذي يصرف ماله لاقتناء المجوهرات حتى ينظر إليها، فمن سمح بشراء هذا اللاعب أو ذاك، ومن الذي أذن له أن يجلسهم على دكة الاحتياط؟ أليس ذلك نوعا من الاحتراف الأعرج؟ هل نحن أول من يطبق الاحتراف في الرياضة.. يا سادة الاحتراف أساس النجاح في رياضة العالم كلها، لكن تطبيقه بحاجة إلى أنظمة وتعليمات وقوانين بموجبها يكتمل العمل الاحترافي، ويتحقق الإبداع بحذافيره، وتنتظم العلاقة بين اللاعب والإدارة، ويلتزم اللاعب بقوانين الملعب وتكتيكات اللعبة. إن الرياضة السعودية لن تصلح إلا بما صلح به أولها، حينما سطرت أمجادا يتملكنا الحنين إليها مع كل محطة يخذلنا فيها منتخبنا اليوم، تلك الأمجاد التي تحققت في عهد فيصل بن فهد رحمه الله والتي لم تكن اعتباطية، ولم تكن وليدة الصدفة، بل جاءت نتيجة لعزم ممنهج في بناء الرجال، وتأسيس فكر رياضي يعول عليه في صناعة الإنجازات وتحقيق النجاحات. ولأننا راضون عن المستويات المتقدمة التي حققتها الرياضة السعودية حينها، فلا بأس أن نتذكر تلك الأمجاد بشيء من الحنين واستخلاص مقومات نجاحها، وكيف تحققت، وسنرى أنها تحققت من خلال انضباطية تامة في معسكرات التدريب، وأداء التمارين الرياضية، وإدارة صارمة فرضت عقوبات رادعة للاعبين المتسيبين والمتخاذلين، وعقوبات أخرى كانت تطال الإداريين ممن يضرون بمصلحة الرياضة، ويقفون عائقا أمام قفزات الكرة الناجحة وأخرى للإعلاميين المتقوقعين في مدح أنديتهم على حساب الوطن. إننا نقف اليوم أمام مفترق طرق، فإما أن نستمر في طريق الانحدار والتقهقر إلى الوراء، أو أن نعود بفكرنا وحزمنا وإرادتنا لنجعل منها نقطة عبور للأدوار المتقدمة في المنافسات، حتى يكون منتخبنا واجهة مشرقة للرياضة السعودية في المحافل الدولية. ودمتم سالمين. [email protected]