وطدوا علاقاتهم بالخطوط الطويلة، يمتازون بالصبر والجلد، والقدرة على تخطي الصعاب، إنهم الكدادة الذين رفضوا الاستسلام للبطالة، فتحركوا يضربون في الارض بحثا عن رزق يأتي بمشقة مصبوغة بمتعة، ينتمون إلى شرائح مختلفة في المجتمع منهم الأمي وهناك الجامعي، الذي وضع شهاداته جانبا وامتهن نقل الركاب بين المدن المختلفة. يحفل عالم «الكدادة» بكثير من المفارقات والمتناقضات، منها أن غالبية دخلهم يذهب لسداد القسائم ومخالفات المرور في داخل المدن، وفلاشات «ساهر» على الخطوط السريعة، ما دعاهم إلى مطالبة الجهات المختصة بتنظيم عملهم، خصوصا أنهم لا يجدون غيره. وأوضح أحمد المالكي أنه لجأ إلى مهنة الكدادة بعد أن أغلقت الدوائر الحكومية أبوابها في وجهه، وأدار له القطاع الخاص ظهره، على الرغم من أنه أحد خريجي المعاهد الفنية بعد الثانوية العامة، رافضا الاستكانة والاستسلام للكسل. وذكر أنه دخل المجال حين ركب مع أحد السائقين من مكةالمكرمة إلى الرياض للبحث عن وظيفة، وخلال الرحلة تحدث مع السائق حول تفاصيل المهنة الشاقة، وقرر امتهانها، ملمحا إلى أنه عندما لم يوفق في الحصول على الوظيفة قرر على الفور استئجار سيارة وبدأ العمل بين مكة والطائف وجدة. وبين أنه لم يجد اي دخل سوى هذه المهنة المتعبة والمكلفة في نفس الوقت، لاسيما أن نظام المرور لا يسمح بنقل الركاب بواسطة السيارات الخاصة. وفي حال جرى ضبطك مخالفا للنظام يتوجب عليك دفع غرامة مالية وحجز السيارة. إلى ذلك، أفاد عبدالله محمد أن سوق نقل الركاب (الكدادة) ينتعش مع مواسم العمرة والحج والإجازة الصيفية التي تكثر فيها حركة التنقلات والسفريات بين المدن، لافتا إلى أن عددا كبيرا من موظفي الدولة والقطاع الخاص يستغلون الموسم لتحقيق دخل إضافي مع الكدادة. وذكر أن كثيرا من الجامعيين توجهوا للعمل في الكدادة بعد أن تبين لهم انه بإمكانهم تحقيق مردود مادي جيد، لافتا إلى أن دخلهم يصل في اليوم إلى 300 ريال. وقال «لكن بعد المشقة نشعر بلذة ما نحصل عليه من أجرة، إلا أن ما ينغص علينا، المرور داخل المدينة ونظام ساهر خارجها حيث يصعب علينا الوقوف بارتياح والتنقل من مدينة الى أخرى»، ملمحا إلى أنه لا يوجد له دخل شهري ثابت، وأن كل ما يحصل عليه يذهب لسداد إيجار السيارة ومخالفات ساهر، والقسائم المرورية المترتبة على حمل الركاب، والتي تصل في بعض الأحيان إلى 4000 ريال. بدوره، طالب عيسى الشهري من الجهات المتخصة تنظيما خاصا يسمح لهم بمزاولة مثل هذا العمل، خصوصا أن غالبية من يزاول هذا النشاط من العاطلين الذين لم يجدوا أي عمل آخر. وبين أن الركاب مع الكدادة ينتمون لشرائح مختلفة منهم الغني والفقير والمثقف والأمي، متذكرا أنه نقل إحدى الشخصيات من مكة إلى جدة، وبعد وصوله إلى محطته أفصح له أنه استاذ دكتور في جامعة. وألمح الشهري إلى أن المركبة دائما ما تتحول إلى صالون أدبي ثقافي خلال الرحلات الطويلة، إذ يحرص الركاب على تزجية الوقت بتجاذب أطراف الحديث في العديد من المواضيع المتعلقة بالحياة والشؤون الرياضية، خصوصا إذا كان هناك حدث يشغل الجميع. في حين، أفاد الراكب جمال أحمد أنه يلجأ للسيارات الخصوصي في حال لم يعثر على حجز طيران، لاسيما أن الحافلات لا تسير بالسرعة المطلوبة، وتجبره في الرحلات الطويلة على المكوث فيه 12 ساعة على الأقل ما يصيبه بالملل والآلام. .