الرحلة إلى اليابان في أساسها كانت دعوة جامعية شخصية، ولذا فقد استأثر هذا الجانب بجل اهتمامي، وفي هذا الجانب لم يكن شاغلي الأول هو المناهج اليابانية ومضامينها، بقدر ما كانت البيئة الجامعية من ناحية، وكيفية تفاعل الجامعات مع مجتمعها وخدمته ومدى تأثيرها فيه من ناحية أخرى هما هميَ الأول. وما سيلفت نظرك للوهلة الأولى أن اللغة اليابانية هي المعتمدة لوحدها في التعليم بمختلف مساراته، ولن تصادفك اللغات الحية الأخرى إلا في مراحل الدراسات العليا، وسيزول عجبك إذا علمت بأن اللغة اليابانية أصبحت ومنذ أكثر من عقدين لغة مطلوبة في الولاياتالمتحدة وسائر منظومة دول الاتحاد الأوروبي، حيث صارت تحتل مكانة متميزة، والسبب كما لا يخفى عليك يعود إلى قوة الاقتصاد الياباني، وهناك العديد من الدراسات التي تبحث في العلاقة بين الاقتصاد الكلي لدولة ما وبين حظوظ انتشار لغتها عالمياً، وعلنا في المملكة نحتاج لأن نتوقف قليلا أمام هذه الظاهرة، فاقتصادياتنا ولله الحمد تملك المقومات التنافسية المؤثرة في الاقتصاد العالمي. ما لا تخطئه العين في الجامعات اليابانية أنها مؤسسات تعليمية حقاً بمبانيها وأثاثاتها المتواضعة النظيفة والأنيقة التي تكاد أن تشم في أرجائها رائحة العلم ونكهة البيئة الطلابية، وقد تذكرت وأنا أتجول في الجامعة وأصاحب الأساتذة إلى مكاتبهم المتواضعة مباني جامعاتنا الكبيرة الضخمة وأثاثاتها الفاخرة، التي تشعر وأنت تجوس بين مكاتب أساتذتها وقاعات محاضراتها وكأنك في فندق من فئة الخمس نجوم أو شركة عالمية، وقد كتبت من قبل أكثر من مرة بأن ميزانيات جامعاتنا رغم أنها قد تكون الأكبر، مقارنة بكبريات الجامعات العالمية، إلا أن المنصرفات الإدارية تلتهم هذه الميزانيات ولا تكاد تبقي شيئاً للبحوث والرحلات العلمية، ويبدو أن المعادلة عندنا مقلوبة، لأن الأولوية عندهم تمنح للدراسات والبحوث وتشجيع الاختراعات والأبحاث العلمية بين طلاب الجامعات. وقد خطر لي أن أطرح فكرة على تعليمنا العالي وتتلخص الفكرة في أن نفتح آفاق التعاون الأكاديمي والعلمي بين جامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية التقنية والفنية ونظيراتها في اليابان لنستفيد من تجربتهم المتقدمة في هذه المجالات، وقد سألت نفسي: ثمة جامعات جديدة قيد الإنشاء في المملكة وثمة أخرى انتهت مراحل إنشائها فلماذا لا نشرك جامعات يابانية نختارها نحن في وضع أسسها الإدارية،خاصة وهم كمجتمع شرقي أقرب إلينا من المجتمعات الغربية من حيث العادات والتقاليد والآداب العامة، إذ لا تزال قيم الأسرة تحتل مكان الصدارة في المجتمع الياباني. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الدول الغربية تشكو الآن من تخلف نظمها التعليمية التي ترهلت ولم تعد منافسة بالنسبة لنظم التعليم في الدول الآسيوية وخاصة اليابان وماليزيا، بل إن الدول الغربية تدرس منذ عقد كيفية الاستفادة من نظم التعليم الآسيوية هذه، ونحن فيما هو واضح أحوج منهم لمبادرات مثل هذه. والحديث بعد يطول في هذا الشأن إلا أن المساحة المخصصة للمقال لا تتسع، وربما نعود مرة أخرى. www.binsabaan.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 215 مسافة ثم الرسالة