لماذا بقيت نظرة المجتمع كما هي تجاه العمل المهني في حين تغيرت تجاه العديد من الأمور التي كانت مسلمات قبل سنوات؟.. أليس العمل المهني أحد عناصر التنمية التي تشهدها البلاد والتي تتطلب سواعد وطنية قادرة على العطاء والإبداع.. فلماذا أسقطه الشباب من حساباته؟.. ألا يوفر العمل المهني المردود المادي الذي يساعد الشباب على مواجهة أعباء الحياة في ظل جنون الأسعار وغلاء المعيشة؟ أسئلة كثيرة وجدتها تلمع أمامي وأنا أقرأ تصريحات وكيل وزارة العمل للشؤون العمالية أحمد الحميدان مؤخرا والتي قال فيها إن (المواطن الخليجي بإمكانه أن يعمل سباكا أو ميكانيكيا إذا وضع في بيئة عمل مناسبة).. كلام جميل.. لكن هل بيئة العمل التي يقصدها الوكيل كانت تقتضي استقبال ما يقارب من مليوني شخص عبر برنامج (حافز) الذي حول عدد العاطلين في السعودية من (420) ألف شخص.. إلى 1.950.000 (أي ما يقارب من مليوني شاب وفتاة؟!).. إذن المسألة أكبر من حافز.. وبيئة العمل لا تعني توفير الوسائد المريحة للعاطلين لكي يكملون نومهم في هدوء، بعيدا عن قطار التنمية الذي يسير بسرعة فائقة ولا يعترف إلا بالكادحين والمجتهدين.. وقد يكون هو نفسه الذي سمح باستيراد ما يزيد على (8) ملايين عامل وفني من الخارج للمشاركة في البناء.. طالما ما زال أبناؤنا يرفضون أن يعملوا بنائين وسباكين وخبازين وسائقي شاحنات وعمالا في المصانع والمناجم والأماكن البعيدة. الأمر يحتاج إلى أفكار مبتكرة وغير تقليدية.. فالواقع ما زال يشير إلى أن إقبال الشباب على العمل المهني لن يأتي بمجرد فتح المعاهد الصناعية.. بل نحتاج إلى عمل دؤوب وحوافز كبيرة، لاسيما أن البعض ما زال يشعر تجاه هذه النوعية من الأعمال بعدم الأمان وغياب الاحترام من قبل أفراد المجتمع من حيث اعتباره في مرتبة أقل من التعليم التقليدي الأكاديمي.. حيث إنها ثقافة مجتمع ونظرة دونية تجاه هذه الأعمال المهنية، لذا بات الأمر يحتاج إلى تغيير التوجهات وغرس مفاهيم صحيحة لقيم العمل والتأكيد على أنه بقدر ما يساهم في حل المشاكل الفردية فإنه يلبي حاجة المجتمع لمختلف أنواع الحرف والمهن.. فالطفرة الاقتصادية الهائلة التي واكبت دول الخليج عامة والسعودية خاصة نتيجة ارتفاع الدخل الوطني وتنوع مصادر الدخل والاتجاه نحو الإنتاج الصناعي يجعل الاحتياج لمختلف أنواع المهن والحرف ضرورة ملحة لتنمية الفرد والمجتمع.. ولصالح الاقتصاد الوطني.. ومن هذا المنطلق.. فإنني أرى شخصيا ضرورة أن تكون هناك مغريات تدفع الشباب إلى التوجه إلى المعاهد الفنية والمهنية.. حوافز حقيقية تقدم لهؤلاء الشباب وتساهم في تغيير ثقافة العمل لديهم ودفعهم للإقبال على المهن الفنية المتخصصة، وبما أن المملكة ولله الحمد تملك الكثير من الأراضي ولديها الإمكانيات والبنية الأساسية الجيدة.. فإنني أقترح أن يتم منح قطعة أرض صغيرة من (300 500) متر مربع لكل شاب يحصل على دبلوم فني ومهني، وهو أمر سيساهم بشكل كبير في دفع الكثيرين إلى هذا المجال، حيث إنهم سيشعرون بالأمان الوظيفي والاستقرار المعيشي.. من خلال تأمين السكن والعمل في الوقت نفسه.. ويعيد النظر لدى الكثير من الشباب الذين يفضلون العمل على المكاتب وفي المجالات الإدارية. الفكرة ليست مستحيلة وتحتاج إلى شجاعة حقيقية في اتخاذ القرار من الجهات ذات العلاقة.. أعطوا شبابنا الفرصة وامنحوهم الثقة، ودعونا نستبشر بجيل جديد متحمس للعمل ومواكب للعصر.. فقد فشلت كل الحلول التقليدية.. وهذا الاقتراح في رأيي يعد الحل الأمثل لإعادة ترتيب أولويات الشباب تجاه ثقافة العمل. * نائب رئيس اللجنة الصناعية بغرفة جدة رئيس الرهى للمسؤولية الاجتماعية