تباينت ردود فعل القطاع الخاص تجاه قرار زيادة رسم رخصة العمل على الشركات التي تقل نسبة السعودة فيها عن النصف، قليل رحب وكثير اعترض، بعض المعترضين كان محقا لعدم توفر تخصصات نادرة وطنية يحتاجها، وآخر تحجج بتأفف السعوديين من بعض الأعمال، قيل إنه قرار متسرع مع أنه جاء متأخرا لأكثر من عقدين، وقيل مفاجئ مع أن الغرف التجارية كانت تتداوله مع الوزارة على مدار عام، وأخيرا هناك من تمسح بالوطنية وادعى أن المواطن في النهاية هو من سيتحمل الزيادة، وهذا حق يراد بها باطل، حق لعجز وزارة التجارة عن ضبط الأسعار، بل يتم التلاعب بقراراتها، يكفي تذكر قرار إلغاء رسوم الخدمة في المطاعم التي انتقلت لأسعار الوجبات، وباطل لأنه بني على باطل فالتاجر الشريف يعرف حقوقه وواجباته ولا يغش عملاءه في التسعير. من اعترض على قرار الزيادة بناء على حيثيات معتبرة لا شك سيجد حلا، أما من اعترض لأنها تخفض أرباحه وحسب فهذا يثبت مقولة طفيلية بعض القطاعات الاقتصادية التي تريد أن تنعم بامتيازات بدون التزامات. لن أناقش هذه الفئة بأسباب أخلاقية أو وطنية أو حتى عاطفية إنما بمنطق المنفعة الذي به يؤمنون، المنفعة طريق ذو اتجاهين وإلا صارت استغلالا واستغفالا، ما تقدمه الدولة من تسهيلات والمجتمع من تضحيات لم يقصد به إثراء هذه الفئة التي ما زالت تعيش زمن البقرة الحلوب، القطاع الخاص كبيره وصغيره يتمتع بامتيازات وتسهيلات إما مباشرة أو عن طريق الدعم الحكومي للسلع الأساسية كالماء والكهرباء والوقود وتوفير خدمات الموانئ الجوية والبحرية وتعبيد الطرق البرية ومنح الأراضي بأسعار رمزية وإقامة المدن الصناعية، وعدم فرض ضرائب دخل أو مبيعات وهذا لا يحدث في أية دولة في العالم، دعم كان يجب أن يشترط توطين الوظائف ولكنه تركه حينها لأريحية هذا القطاع، دعم كان يمكن تقديمه بالكامل لصندوقي حافز والموارد البشرية ولكن الوزارة اكتفت الآن بجزء رمزي منه وكان الأوجب مضاعفته، أما تضحية المجتمع فبتقبل النوعية المتدنية لخدمات وسلع هذه الفئة مقارنة بما يمكن استيراده انتظارا لرد الجميل وإن بتوطين نسبة من الوظائف، فيأبى هؤلاء إلا التنكر لليد التي كان لها فضل نماء تجارتهم. هناك اقتصادات وطنية قامت على أكتاف القطاع الخاص داحضة فكرة رأس المال الجبان، ورجال أعمال عظام بنوا قوى الأيدي العاملة في دولهم، وهناك ألف طريقة لتوطين العمالة لمن يريد، منها الإحلال التدريجي على رأس العمل ومنها الاستفادة من خريجي المعاهد المهنية والتقنية بإعادة تأهيلهم فهم نواة جيدة، منها ترشيح عاطلين لدورات مكثفة على مهنة ما ثم تبنيهم وهو ما نجحت فيه بعض البنوك، غير أنه وفي حال انسداد الأفق يصبح من واجب الوزارة توطين الوظائف بالطريقة التي تراها أجدى، وتذكرون نسبة ال 5 % التي فرضت قديما ولم تنجح بل تفاقم الوضع لينتج أكثر من مئتي ألف منشأة ليس بها مواطن واحد استورد لها أصحابها عمالة وإدارة واكتفوا هم بجني الأرباح. تساهل الوزارة سابقا أدى أيضا إلى وجود مؤسسات وهمية استقدمت مئات العمالة وسربتها للشارع لقاء اتاوة تدفع للكفيل، ومؤسسات أخرى تعتمد على مقاولات الباطن، ولعلة عدم وجود حد أدنى للأجور، تستقدم عمالة رخيصة لا يقبل بأجرها المواطن. تساهل الوزارة وبعض الوزارات الأخرى جعل مشاريع التنمية مجرد سوق عمل للأجانب ليس لابن الوطن موطئ قدم فيه، وهو وضع شاذ بكل المعايير، إذ لا توجد دولة في العالم تنفق لتوظيف أجانب، لا توجد دولة في العالم لا يساهم أبناؤها في تنميتها، لا توجد دولة في العالم لديها أكثر من مليون مواطن عاطل وتستقدم 9 ملايين عامل، لا توجد دولة في العالم تستقدم سنويا عمالة بنسبة تفوق ثلاث مرات نسبة نموها السكاني. [email protected]