قال خبراء في الموارد البشرية ومختصون في التوطين والتوظيف أن انهيار سعودة سوق الخضار على مستوى البلاد سيكون له انعكاسات سلبية على بقية مشاريع التوطين المستقبلية، معللين ذلك بكون سعودة الخضار قد حققت نجاحاً كبيراً على مدى عشر سنوات، برهن خلالها الشباب السعودي على ايجابية المراهنة عليهم.. ووصفوا انهيار التوطين في هذا القطاع بالكارثة، مشيرين إلى أن هذا الانهيار سيزج بأعداد جديدة من الشباب إلى طوابير البطالة في البلاد.. وذهبوا إلى أبعد من ذلك، حيث أشاروا إلى أرقام البطالة المتصاعدة، وإلى تدني متوسط أجور السعوديين في القطاع الخاص التي تقل عن 1900ريال سعودي. مما يجعل هذا القطاع بخيره الوفير ملاذاً للعاطلين عن العمل من أجل صنعة في اليد وكسب حلال.. مختصون في الموارد البشرية والتوطين يتفقون على حتمية تلافي انهيار توطين سوق الخضار إنها كارثة الدكتور شريف العبدالوهاب الباحث والمهتم بالسعودة يشير في بداية حديثه حول موضوع تراجع التوطين في سوق الخضار إلى أنه من المحزن أن المملكة تتراجع ولا تتقدم حيال السعودة. مؤكداً على أن الأنشطة التي لم تغزُها العمالة الوافدة المتسيبة والرخيصة تم تنظيمها أما من قبل نفس الممارسين للنشاط أو لمتابعة دقيقة من قبل البلدية المكلفة بشأن مراقبة أسواق الخضار. ويقول: عندما تذهب لسوق الخضار وترى السعوديين يعملون فيه هذا لأن المتابعة في ذلك السوق صارمة، إما عندما تدور في الشوارع وتدخل محلات بيع الخضار المنتشرة في الشوارع فلا ترى السعوديين يعملون فيها لأن المراقبة معدومة. ويؤكد د.شريف أن هذا الحال في جميع الأنشطة التجارية خصوصاً عندما نعلم بأنه ليست هناك مراقبة ورجال الأمن يمرون على تلك العمالة ولا يحركون ساكناً وليس هناك أية لجان سعودة أسوة بما كانت تمارسه في السابق (قبل عشر سنوات) وليس هناك وزارة عمل قادرة على القيام بمسؤولياتها إما لضعف كوادرها أو لقلتهم. ويضيف الدكتور شريف: اليوم لا ترى محل خضار به سعوديون إلا ما ندر، وعندما تسأل صاحب محل في أسواق بيع الخضار فيجيب أن السبب عدم وجود متابعة لعملية السعودة، ويؤكد د. شريف أن أجهزة الدولة لا تقوم بواجبها حيال حماية المواطن من العمالة الرخيصة والشرسة للعمل بأقل الأسعار. ويتابع: المستغرب بأن مهن بيع الخضار من المهن المسعودة مثل العشرات من المهن الأخرى ولا ترى أي سعودي يعمل فيها وليس لأن السعودي لا يريد أن يعمل بتلك المهن، ولكن لأن العمالة الوافدة غير النظامية والرخيصة هي التي تحارب هذا السعودي، ومهنة بيع الخضار ليست المهنة الوحيدة التي تمر بنفس الأزمة ولكن العشرات من المهن مثل مهنة بائع (في90% من الأنشطة التجارية تقريباً) تمر بنفس السيناريو، فكم محل تتعامل معه شهرياً ترى به بائعاً سعودياً وما عامل النسبة أي كم سعودي لغير سعودي؟ ضياع التجربة سيحبط عمليات التوطين الأخرى ويتساءل الدكتور العبدالوهاب: كيف لنا كدولة من أكبر الدول وأغناها في المنطقة ويكون متوسط دخل العامل السعودي أقل من 1900 ريال سعودي شهرياً حسب إحصائيات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية؟ ويتابع: إن من وضعنا في هذا المأزق هو السماح بالعمالة الرخيصة للقدوم لتنفيذ مشاريعنا التنموية، وللأسف تلك المشاريع لم تشمل الموارد البشرية فنلاحظ أن العامل الوافد قدم إما بكفالات الإنشاءات أو التشغيل والصيانة ثم يتم استرقاقها بأموال بخس شهرية من قبل الكفيل المستقدم. ويضيف: لو تم تطبيق الأنظمة السابقة حيال التستر وبصرامة لما رأينا هذا الهول من عمال تنافس أي نشاط تجاري في شوارع المملكة. ويؤكد أنه عندما ينظّم المتعاملون في السوق نشاطهم فلن ترى هذا التستر، عندما ننشىء جيلاً جديداً لا يتعامل مع العمالة السائبة فلن ترى هذا التستر. هذه حقائق هي التي أدخلتنا في تلك الدهاليز المظلمة. وهذا يراه المواطن العادي في أسواق بيع التمور في القصيم وأسواق بيع الربيان في القطيف التي لم تسمح للعمالة الأجنبية بممارسة أنشطتها. ولكن عندما تذهب لأسواق التمور في مدن أخرى ترى العمالة الوافدة تعمل في مثل تلك الأنشطة المذكورة. إذاً هو تنفيذ جماعي وليس من قبل الدولة فقط. طراد العمري وبألم وحسرة شديدين يؤكد د. شريف على أننا نعيش مأساة حقيقية عندما نطلع على تجارب دول أقل منا في المصادر الطبيعية ولكنها لم تتجه لأن تبيع اقتصادها وشعبها لعمالة رخيصة أمام مجموعة تجار مرتزقة يتقاضون جراء هذا التسيب. ويضيف: لذا مهما حاولنا تحليل أسباب فشل سعودة محلات بيع الخضار فإننا لن نجد أي حل إلا تأجيج المشكلة دون محاولة إقناع صاحب القرار بأننا حيال كارثة وطنية أكبر من كارثة خسائر الطيران جراء سحب الرماد البركان الأيسلندي . ويختم حديثه قائلاً :إننا بصدد كارثة سيستمر مداها أكثر من 20 سنة في ظل تلك المعطيات لأن أي دولة تحتاج لأكثر من عقدين من الزمان لإعداد جيل من القيادة البشرية لقيادة الاقتصاد، وانه لمن المؤسف أننا لا ننتج فرص عمل صناعية تحويلية خارج إطار سابك وأرامكو اللتين بدأتا ببيع أنشطهما للتشغيل للمقاولين لكي يبدأ سياسة الإحلال ليس الوافد بالسعودي ولكن إحلال عكسي السعودي بالوافد لأن ذلك سيكون أوفر لعقود التشغيل سواء لأرامكو السعودية أو لشركات سابك، وإذا لم تكن لا الإرادة السياسية ولا التنفيذية قادرة على تنفيذ ذلك ضمن خططها فإن اقتصادنا (الموارد البشرية) لن يرى النور في حياتنا. مختص توظيف: نضيع أهم تجارب التوطين.. طراد العمري رئيس بيت السعودة للتوظيف يشير في بداية حديثة إلى الثناء على مشروع التوطين في سوق الخضار، مؤكداً أن القرار الذي صدر عام 1421ه كان قرار مصلحة وطنية.. يقول طراد العمري: أعتقد أن هذا المشروع الذي تبناه صاحب السمو الملكي لأمير نايف بن عبدالعزيز كان مشروعاً ناجحاً وأعطى ثماره بشكل سريع، وأثبت أنه يعتمد على المواطن حتى في مثل هذه المهن حينما توفرت له الحماية، وكان المطلوب من وجهة نظري أن الحاجة كانت ماسة وما زالت لأن يدعم أكثر من مشروع توطين لمهن أخرى وأن توفر لها نفس الحماية التي كانت توفر لمشروع سعودة سوق الخضار.. ويضيف: ولكن في ظني وفي رأيي الشخصي أن تكالب الأمور على وزارة العمل، وعدم قدرتها على التفاعل والتنسيق مع الجهود الأخرى من قبل الجهات ذات العلاقة على الأقل للحفاظ على نجاح هذا المشروع هذا قد خلق فجوة بين الجهات المختصة وهي وزارة الداخلية التي تبنت القرار، ووزارة البلديات المعنية بالتطبيق الميداني ووزارة العمل لمعنية بتوظيف الشباب ومحاربة البطالة.. هذه الفجوة وتعارض الصلاحيات بين الجهات المختصة، كل ذلك يساهم الآن في انهيار هذا المشروع الوطني الكبير الذي أثبت لنا جميعاً أن المواطنين قادرون على تولي أمور كثير من الأعمال في بلدهم بأنفسهم، وهذا المشروع الذي وفر آلاف الوظائف، ووطن مليارات الريالات، وهذا الانهيار الذي يحدث حالياً هو فشل يضاف إلى الأمور الأخرى التي فشلت فيها وزارة العمل.. متعب الشمري وحول الأرقام التي وفرها مشروع توطين الخضار من حيث حجم الوظائف التي سيخسرها الشباب في حالة الانهيار التام لهذا المشروع. قال طراد العمري: أنا لا أملك أرقاماً في هذا الجانب، لكن في تقديري أن هذا المشروع قد وفر وظائف كانت كفيلة بتشغيل نسبة تصل إلى 30% من العاطلين أو طالبي العمل.. ولو استمرت له الحماية لأصبحت هذه النسبة في ازدياد.. لأن هذا المشروع لا يكتفي ببيع الخضار فقط بل لأن بعض من نجحوا في هذا المشروع وأصبح لديه الملاءة المالية فإنه يعمد إلى فتح فروع أخرى أو سلسلة محلات وبالتالي هو نفسه يوظف سعوديين لديه في هذه الفروع لكن تراجع الحماية عن هذا المشروع أدى إلى الإحباط لدى كثير من الشباب السعوديين، بعضهم سيخرج بديون جراء المنافسة غير العادلة من قبل الأجنبي.. خصوصاً أن هؤلاء الشباب قد اقتحموا العمل في هذا المشروع بجهود ذاتية، وبدون أي دعم حكومي سوى قرار الحماية، ولم يتوفر لديهم يوما من الأيام أي مصدر للتمويل، الجهات المعنية بدعم المنشآت المتوسطة والصغيرة لم تلتفت يوماً إلى هؤلاء الشباب.. ومع ذلك نجحوا، واستمر هذا النجاح أكثر من عقد من الزمن دون حدوث أي مشكلات في هذا النوع من التجارة، فالكميات متوفرة، والأسعار معتدلة، والوظائف متوفرة، إلى أن تراجع تطبيق قرار الحماية.. وعن سيطرة العمالة اليمنية على هذا السوق ودلالات ذلك.. يضيف طراد العمري: أنا أريد أنا أقول أننا نريد مساعدة أشقائنا اليمنيين، ونريد مساعدة أشقائنا المسلمين، ولكن الأقربين أولى بالمعروف.. عندما تتم إتاحة الفرصة لليمنيين لإحلالهم بدلا من السعوديين هذه خيانة لروح المواطنة، المملكة تدعم اليمن بمليارات الريالات، لكن أبناءنا أولى بالوظائف في بلدهم.. لدينا رجال أعمال ومستثمرون في بلدان أخرى يوفرون الوظائف لأبناء تلك البلدان في بلدانهم، لكن المفارقة أنه حين يوفرون لهم الوظائف في بلدانهم ويوفرون لهم الوظائف في بلدنا، فهذا غير مقبول، وظائفنا في بلدنا هي حق لأبنائنا خصوصاً أن السعوديين اليوم مهيئيون للعمل بأي مهنة، وببراعة وإنتاجية أعلى بكثير من العمالة الوافدة. ويشير إلى النتائج المرتقبة لانهيار السوق وتأثيره على أرقام البطالة بقوله: إن هذا سيؤثر تأثيراً كبيراً في زيادة أعداد العاطلين عن العمل، وسيعيد أي جهد توطين مستقبلاً إلى شبح الفشل، والتراجع.. إذا لم يتم تدارك الموقف فإن الشباب الذين فتحوا بيوتاً وكان هذا المشروع يدر إليهم دخلاً جيداً سيصبحون عاطلين ويطالبوننا بوظائف، مشروع توطين بيع الخضار نجح نجاحاً كبيراً لحوالي عشر سنوات، وأعطانا ثقة في أبنائنا الذين تحملوا المسؤولية وأخلصوا لهذا المشروع حين كان هناك قرار يحميهم، يجب تدارك الأمر سريعاً. مختص عالمي: السعوديون بحاجة إلى إعطاء الفرصة.. ترى كيف ينظر أفضل متخصص في الموارد البشرية في العالم لعام 2010م لموضوع تراجع توطين سوق الخضار في المملكة.. حامل هذا اللقب هو شاب سعودي، مما يعني انه قريب من هذا الموضوع، ومما يعني أنه مطلع على تفاصيله.. متعب بن حمود الشمري الذي اختاره مؤتمر الموارد البشرية ليكرمه كأفضل متخصص في هذا المجال للعام الحالي 2010م.. يقول الشمري في مطلع تعليقه على هذا الموضوع: لقد نجح هذا المشروع نجاحاً متميزاً وقد أذهل الجميع في مسيرة دامت للأسف اقل من عشر سنوات، وقد حفز الكثير من شبابنا للعمل في هذا المجال بعدما كان يوصف بالعمل "الوضيع والمعيب" وحسّن من نظرة المجتمع لشبابنا ولهذه الفئة من الوظائف التي لم تكن مقبولة إلى حد ما، ويضيف: نحن نفخر بشبابنا العصاميون أصحاب المهنة الصعبة والشاقة، ومن الناحية الاقتصادية فقد وفرت هذه الوظائف العديد من المبالغ التي كانت تذهب إلى الخارج بدلاً من تداولها محلياً. - وحول صعوبة إيجاد عمل لهؤلاء الشبان في حالة خروجهم من المشروع يقول متعب الشمري: بكل تأكيد لا يوجد صعوبة في إيجاد فرص عمل بديلة، وخصوصاً أن السوق السعودي مازال في مرحلة نمو مستمرة والتي تجعل الشركات في القطاع الخاص تطلب الكثير لشغل الوظائف وأنا اقترح كمتخصص في مجال تنمية الموارد البشرية بمطالبة وتشجيع رجال الأعمال على توفير هذه الفرص داخلياً وتأهيل شبابنا لشغلها بدلاً من استقطاب موارد من الخارج لسنا بحاجة ماسة لها وأيضاً سوف تسهم عملية سعودة هذه الوظائف في تقليل نسبة البطالة في مجتمعنا وخصوصاً نسبة البطالة في السعودية تصل إلى 14% وهي نسبة تتزايد في كل عام عن الآخر، ويضيف: وهنا يجب علينا توفير الحلول البديلة للتقليل من البطالة وأثرها السيئ على المجتمع، ويشير إلى أن الشاب السعودي بحاجة إلى إعطاء الفرصة لإثبات جدارته ومقدرته على الإبداع وليس تركهم يتخبطون لأنه في الأخير هو بشر بحاجة إلى ضمِه ومعرفة إمكانياته وسبب لرزقه الذي يبحث عنه. ويتابع: ومن تجربتي الخاصة فقد سعدت بالإسهام في عدة برامج تطويرية بالتعاون مع عدة شركات كبرى من القطاع الخاص وكان مردود هذه البرامج ناجحاً وترك أثرا طيبا، وللأحقية أؤكد أن شبابنا لديهم كفاءة لتحمل المسؤولية وخوض التجربة. ويختتم متعب الشمري حديثه بالتأكيد على الحماية لأبناء البلد الذين برهنوا على نجاحهم وتحملهم المسؤولية منذ وقت مبكر.. ويضيف: إنني أؤيد إعادة حصر البيع بدلاً من احتكار الأجانب وبقوة قصوى لكي تتسع عدد الفرص للعاطلين عن العمل وذوي المؤهلات الدراسية البسيطة، وأيضا نعم لتهيئة فرص أخرى مماثلة لو تم تأهيل هؤلاء الشباب وتحفيزهم للعمل وتفعيل برامج تدريبية متخصصة مما يعطيهم الفرصة الأقوى للدخول إلى السوق بجدارة واثبات نجاحهم، كما فعل بعض من رجال الأعمال السعوديين الذين يهمهم تطوير أبناء بلدهم وتأهيلهم للعمل في القطاع الخاص بشتى مجالاته وهنا أنا شخصياً أطالب بالتشديد على موضوع السعودة في جميع المجالات وبالأخص المهن البسيطة التي فتحت بيوت العديد من المواطنين أصحاب المؤهلات البسيطة وأيضا التي أهلت الكثير من شبابنا للتطور بالدخول إلى عدة مجالات في القطاع الخاص وتحسين مستواهم الوظيفي باكتساب الخبرة.