ربما يتبادر لأذهان البعض، كيف يكون الشخص غنيا وفقيرا في آن؟ وبما أن السؤال اقترب من المعنى المراد شرحه، فإنه لامس مدى التنافر بين هاتين الصفتين عندما تجتمعان لدى شخص واحد. ويقال عنه إنه الغني الفقير، ولا أقول البخيل لأن البخل له صفة أخرى مغايرة ليست في وارد حديثنا.. الغني الفقير، هو الذي جمع أموالا فوق طاقته العقلية والنفسية وقد أمضى جل حياته بالركض لجمع المال ولم يحسن التصرف بماله مخافة افتقاده أو الاقتراب منه أو حتى معرفة أن لديه مالا، يدعي الفقر وهو الغني. ويشفق عليه المرء لحالته الرثة وحالة عائلته البائسة، يعيش محروما من مباهج الدنيا، والمال بين يديه، وكم هناك من الطرائف المضحكة والمبكية في آن، عن قصص رجال أغنياء ولكنهم فقراء قلوب، فرغم ما هم عليه من توالد يسر المال. تراهم يبتهجون بعسر ولادة تصريفه، مما يجعلهم خادمين للمال وليس خادما لهم، ونحن حينما نرى أحدهم بهذا الشكل وبهذه الوضعية البائسة، لا يسعنا إلا أن ندعو له بالشفاء فتلك حالة مرضية مزمنة، من الشره والجشاعة في حب كنز المال، وليته ذلك الحب المتكافئ بين الطرفين المال وجامعه، فالطرف الأول وسيلة خير وبركة متى أحسن تدبيره في أمور كثيرة، بينما الطرف الثاني هو من يربيه ويكنزه ويعيق مساره في إكرام نفسه وإكرام أهل داره. فهذا مما يدعونا للاقتراب والإيضاح عن حالة «الغني الفقير» والتعرف على كيف يتعامل الرجل مع المال، وهل هو خادم للمال أم المال خادم له!، في تأمل حالة أحدهم، في ظنه وحسب قوله أنه لا يملك ربع ما عند الآخرين، بينما هو قد يفوق الكثير منهم مالا، ولكنه الشره قاتله الله، صاحبنا حرص على جمع المال حتى التخمة، بحكم معرفتي التامة به، مما جعلني أضعه في خانة الغني الفقير وغيره كثيرون ،.. ذات مساء سألته. ونحن نجلس بجوار بعض ولا هناك حضور غيرنا، قلت والحديث حول الجمعيات الخيرية وبناء المساجد والتبرعات للأنشطة الثقافية وغيرها. أحثه على عمل خيري يكتب في صالح حسناته. ماذا تتوقعون رده.. حتى أنا لم أتوقع لحظتها رده .. لقد تضايق مني ورد بعصبية طغت على حوارنا.. قال: لماذا لا تتبرع أنت، طالما تملك مقومات النصح والإرشاد فعليك بنصح نفسك؟!، حقيقة صدمني السؤال، فلم يكن متوقعا ولا قابلا للمماثلة.