مقالتي هذه استوحيتها من تلك المقولة الشهيرة لذلك الفقير التركي الذي كان يتمنى أن يبني مسجدا تقرباً الى الله ولكن ضيق ذات اليد كانت تمنعه فعزم أمره على جمع مبلغ من المال يكفي لبناء ذلك المسجد الذي يتمنى ان يتحقق وجوده فكان يجمع كل ما يأتيه من مبالغ هبة او صدقة كانت او مساعدة في صندوق ويحرم نفسه من تناول الطعام او شراء ما يشتهيه ويقول قولته "كأنني أكلت" بعد ان ينظر إلى أطايب الطعام المعروضة في الاسواق وظل على هذه الحالة مدة طويلة. تذكرت هذه القصة وأنا استعرض أصحاب رؤوس الاموال والعقار في بلادنا وهم يثرون ولله الحمد زادهم الله بسطة في المال والولد وهداهم لطرق البر والخير وبالمقابل تذكرت الفقراء والمعوزين وإذا بأعدادهم ليست بالقليلة أقال الله عثرتهم وكفاهم شر العوز والفقر هؤلاء الفقراء وجُلهم من الايتام والارامل تكتظ بهم المدن الكبرى في بلادنا الطيبة والكثير منهم لايملكون مسكنا يقيهم شر التنقل من منزل لآخر بسبب ارتفاع قيمة الايجارات ومن يملك منهم منزلا فهو من تلك البيوتات التي لا تليق ان تكون مأوى لبني البشر. خادم الحرمين الشريفين وولي عهده ومن مدوا ايديهم لفعل الخير لم يغفلوا حاجة الفقراء والمعدمين فكانت عطاياهم بارزة للعيان في شمال المملكة وجنوبها شرقا وغربها وحدات سكنية مجهزة بجميع الخدمات في كثير من القرى ومازال البناء والانشاء مستمراً في قرية محتاجه. ما نحن بصدده هم فقراء وارامل وايتام المدن الكبرى والصغرة والتي بدأت تضيق بالمباني الشاهقة ذات الادوار المتعددة والتي انشئت من اجل الاستثمار واصحابها من اصحاب رؤوس الاموال والعقار من ابناء هذه البلاد الطيبة وهم ممن ساهموا في عجلة البناء وعمروا الارض اكثر مما عمرها غيرهم زادهم الله من فضله وتم عليهم نعمه ظاهرة وباطنة ولكنهم اغفلوا المساهمة في اقالة عثرات اخوانهم الفقراء وبدلاً من مساعدتهم حتى ولو بالنزر القليل اجبروهم على إخلاء المساكن او دفع ما يطلبونه من ايجارات عجز عنها حتى اصحاب الدخول المتوسطة فلو ان أخواننا اصحاب المال والعقار والبنايات الشاهقة خصص كل منهم التبرع لوجه الكريم بإنشاء عمارة في الطرف البعيد عن الاستثمار تحوي عددا من الوحدات السكنية يبتغي بفعلها وجه الله الكريم وخصصها لذوي الحاجة من فقراء وايتام لكان خيراً له من الدنيا وما حوت. فلو أنهم فعلوا ذلك لما وجدت في مدننا فقيراً او يتيماً أو أرمله في حاجة الى مسكن يقيه تقلبات الجو ولهيب الايجارات. أختتم مقالتي هذه بقصة قصيرة وراها "السيد مصطفى المنفلوطي " في كتابه النظرات يقول فيها زرت احد اصدقائي ولما دخلت عليه وجدته يتألم من ألم اصابه في بطنه ولما سألته اجابني بأنه أكثر من تناول الطعام مماسبب له "التخمة" وهاهو ينتظر الطيب لعلاجه . ويقول المنفلوطي خرجت من عند صديقي وقصدت صديقاً آخر في حي فقير فوجدته يصارع الالام في بطنه ولما سألته كانت إجابته بأنه يتألم من الجوع حيث انه لم يذق طعم الاكل منذ ثلاثة ايام فتعجبت لحال هذ الدنيا يقول المنفلوطي فلو ان ذلك الصديق الغني الذي يشكو ألم بطنه من كثرة الاكل اعطى هنا الفقير قليلاً مما أكثر منه لشبع الفقير ولم يتألم من الجوع وشبع الغني ولم يتألم من التخمة.