كرم النفس ودناءتها لا يرتبطان بالضرورة بالحالة المادية لصاحبها، فكم من فقراء المال وفي دواخلهم كرم وعفة وعلو همة. وكم من أغنياء المال، وفي دواخلهم خسة ودناءة وانحطاط همة! وهذا لاعب شهير لأحد الأندية الإنجليزية الأكثر شهرة يُضبط متلبسًا بسرقة حبة «دونات» من متجر بسيط ثمنها جنيه وسنتات قليلة في حين يصل دخل هذا اللاعب (الأسبوعي) إلى 70 ألف جنيه استرليني، أي عشرة آلاف جنيه يوميًا. ولو شاء لاشترى أكثر من 8000 حبة دونات في ذلك اليوم ووزعها على الفقراء والمحتاجين ومنهم نفسه المريضة. تلك حادثة للتدليل فقط على أولئك الذين امتلأت نفوسهم فقرًا. وما هم بفقراء، وتصرفوا وكأنهم محتاجون، وما هم بمحتاجين، تظهر عليهم آثار الغنى، وهم في مغامرات الاحتيال غارقون. ثمة أثرياء حد التخمة، لكن نفوسهم مريضة، ثرواتهم تنافس كنوز قارون، ودائمًا يستزيدون من حل ومن حرام ولا يشبعون. من هؤلاء من له من العقارات القائمة والأراضي الخالية ما لا يُعد ولا يحصى، ومع ذلك تراه ينازع مواطنًا في أرض اشتراها بحرّ ماله وتحويشة عمره، والنتيجة مواطن مغتاظ مغلوب على أمره، وغريمه غير آبه ولا مهتم. ومن هؤلاء من يبدو أمام الآخرين وجيهًا ثريًا في حين يُحرم صغار موظفيه من رواتبهم شهورًا طويلة، خاصة إذا كانوا وافدين، وعلى أمرهم مغلوبون، فلا يملكوا إلا مزيدًا من الصبر، وصاحبنا في (تلميع) دائم و(فشخرة) ساذجة. ومن هؤلاء من ينفق ببذخ على شهواته، ويمسك بتقتير عن موظفيه، بل أحيانًا حتى عن أسرته وأبنائه، فهم في شوق إلى موته ليستمتعوا بما أمسكه عنهم حال حياته، ولينسوه بعد مماته. هذه العينات البائسة ممن بلغوا من الدناءة مواقع متقدمة ليسوا قلة للأسف الشديد، وأسوأ هؤلاء من جمع بين الثروة الباهظة والسلطة القاهرة، فهم في حصانة من الشكوى والمراجعة، أولئك الذين يستغلون سلطاتهم أسوأ استغلال تحقيقًا لأنانيتهم المفرطة، وانتهاكًا لحقوق غيرهم، لا يخشون دعوة مظلوم ولا نقمة ذي البطش الشديد. اللهم ارزقنا نفوسًا كريمة تأبى الظلم وتحب الخير وتدرك أن المال وسيلة إلى غاية، لا غاية في ذاته.