ظهر الابتزاز نتيجة إساءة البعض لاستخدام التقنية الحديثة التي سخرت لراحة البشر واختصار الوقت والجهد عليهم وثقة الآخرين بهم، لإشباع رغباتهم المتوحشة التي تختلف من مبتز لآخر رغم توحيد الغايات بينهم. ذكر كل من (فهد، صالح، هناء، صباح) معاناتهم من جراء الإزعاجات التي وجدوها من مستخدمي برامج كشف الأرقام عبر الهواتف الذكية التي تكشف اسم الشخص وجميع الأرقام المسجلة باسمه، فمن يعاني من انتهاك خصوصية الاتصال من أشخاص مجهولين في أوقات متأخرة من الليل، وممن تصله رسائل وصور خادشة للحياء، وأخرى تصلها تهديدات بإقامة علاقة أو نشر رقمها واسمها، وغالبا ما يتعرض لهذا النوع من الابتزاز الشخصيات المشهورة وأصحاب المال، والغريب أن هؤلاء المبتزين غالبا ما يستخدمون أرقاما عامة حتى لا تكشف هويتهم والبعض منهم يستخدم رقما خاصا به ولا يأبه بالعواقب. ولم تقل مأساة (عبير) عن غيرها حينما أوهمها شاب يقلها عمرا بالزواج مستغلا ظروفها الصعبة التي أفقدتها الشعور بنفسها نتيجة العناية بوالديها، فأم مصابة بجلطة دماغية لأكثر من 13 عاما، وشقيقتها تعاني من خلل ذهني، ولم تتوقف معاناة عبير عند هذا الحد، فهي ملزمة بتوفير احتياجات اسرتها المريضة ولهذا لم تكمل تعليمها واستسلمت لظروفها وأصبحت حبيسة المنزل التي أرادت أن تغادره كأي بنت لكنها وعبر الجوال وقعت في شراك شاب ووبوعود كاذبة؛ صور لها حياة لم تحلم بها يوما، ألبسها فستان الزفاف وأسمعها كلمات لم تسمعها من قبل، أقنعها بفتح كاميرا حاسوبها بخدعة «أنها زوجته المستقبلية وأم أبنائه» صورة يلتقطها لوجهها وأخرى حين تروح وحين ترجع حتى أكمل ألبومه، وأتى إليها يوما طلب منها المال لأمر طارئ، فأرسلت إليه من مدخراتها المتواضعة بضعا من النقود لكنه أراد المزيد وأخبرته بعسرها وأنذرها بالدفع أو الهجران والفضيحة واستسلمت لتهديداته لكنه استمر في ابتزازه ولم تجد أمامها سوى رجال الهيئة في تخليصها من ذلك الذئب. مواقف وقصص ومن القصص التي وقفت على حلها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر القبض على شاب هدد فتاة كانت على علاقة به عن طريق الهاتف. بعد أن بعث لها رقمه عبر تقنية البلوتوث، أثناء توقف سيارتها عند إحدى الإشارات، ثم بدأت بينهما علاقة عبر الهاتف استمرت قرابة ستة أشهر، وكان الشاب قد تابع السيارة وتعرف على سكن الفتاة وأسرتها ورقم هاتف منزلها واسمها، وبدأ يسجل جميع المكالمات الهاتفية بينهما، وعقبها قام بتهديدها وابتزازها جنسيا وهددها بنشر تسجيل المكالمات وأرقام هاتفها واسمها واسم عائلتها في كل مكان إذا لم تخضع لرغباته، الأمر الذي أدخل الفتاة في حالة نفسية سيئة ولجأت إلى الهيئة التي تتبعت خيوط شكوى الفتاة، وقبضت على الشاب واثنين من زملائه حضروا للموقع المتفق عليه مع الفتاة وأحيلت القضية إلى الجهات الأمنية لاستكمال التحقيقات في هيئة التحقيق والادعاء العام. انتشار الظاهرة في حينه، أكد المواطن عبدالعزيز السنيد أن الابتزاز للجنسين ظاهرة انتشرت خلال الفترة الحالية محملا أولياء الأمور المسؤولية العظمى للحد من هذه الظاهرة، مشيرا إلى أنه لا توجد مشكله الإ ولها حل. حيث قال: تعد ظاهرة الابتزاز من الظواهر التي انتشرت خلال الفترة الراهنة فلن نقف مكتوفي الأيدي أمامها نستمع لأخبارها بين الحين والآخر. كما لا ننسى دور المؤسسات التربوية والتعليمية في نشر القيم في أوساط الطلاب والطالبات، كما أن الإعلام يلعب دورا بارزا في علاج هذه الظاهرة من خلال البرامج واللقاءات وغيرها. اختلاف الأساليب أما السيدة نوال محمد، فقد قالتإن حالات الابتزاز تختلف أساليبها؛ منها عن طريق الصور وأخرى المقاطع وغيرها بتسجيل الأصوات، ففي هذه الحالات يلعب البيت دورا مهما في اجتتاث هذه الظواهر من مجتمعنا من خلال المتابعة المستمرة لأبنائها وبناتها وعدم زرع الثقة الكاملة فيهم. وأمضت قائلة «كذلك الحال فلا نسى دور المدرسة والمعاهد والجامعات وخطباء المساجد في معالجة على هذه الظاهرة». سرية البلاغات وذكر مصدر مطلع بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن هناك العديد من المصادر التي ساهمت في انتشار هذا النوع من الجرائم الأخلاقية، ومن بينها الابتزاز كالشبكة العنكبوتية؛ ممثلة في بعض المواقع التي تقدم خدمة المحادثات بكافة أشكالها أو اقتحام مواقع إنترنت خاصة أو اقتحام أجهزة الحاسوب للحصول على الملفات الشخصية والأسرار الخاصة بمالكي الحاسوب والجوالات للسيطرة عليهم وتهديدهم وخوف الضحايا من البوح أو الاعتراف بما حدث لهم خشية العقوبة الأسرية أو المساءلة القانونية وأيضا التفكك الأسري وغفلة الأهل عن أبنائهم. كذلك مكاتب التوظيف الوهمية بحيث يتم التواصل بين بيت الفتاة والمكتب الوهمي المعلن عن حاجته لوظائف نسائية، وأضاف أنه يتم التعامل مع بلاغات الابتزاز بسرية مطلقة بين جهاز الهيئة وأصحاب البلاغات، ولهم الحرية في إخبار ذويهم أو التكتم على الأمر. سمات الشخصية ويرى المدير السابق لإدارة التوجيه والإرشاد بتعليم محافظة جدة سالم الطويرقي أن الابتزاز سلوك اجتماعي سلبي يمارسه بعض الأفراد تجاه الآخرين لإشباع حاجات شخصية بداخلهم، وله عدة أشكال: الابتزاز العاطفي ويهدف إلى الحصول على مشاعر وأحاسيس الآخر دون رضاه، والمادي يقوم به الشخص بغرض كسب مالي، ولا شك أن هذا السلوك يتم بين شخصين غير متكافئين سواء في الظروف الشخصية (المرتبطة بمقومات الشخصية) أو الأسرية (المرتبطة بطبيعة العلاقة بين أفراد الأسرة) أو اجتماعية (المرتبطة بطبيعة الطبقة الاجتماعية) وفي كل الأحوال فإن كليهما يتسمان بصفات وسمات شخصية تجعلهما مهيئين لهذا السلوك، فأحدهما شخص ضعيف الشخصية لا يثق في نفسه والآخر شخص عدواني يتميز بأنانيته ولا يبالي بمصير الآخرين. مهيبا أنه من المهم جدا أن يحسن الفرد اختيار من يتعامل معه وأن يكون الاختيار مبنيا على أسس شرعية واجتماعية وعلمية، فليس كل من نعرفه يجب ان نثق فيه. دور الإعلام ويقترح الطويرقي أنه يجب على جميع محاضن التربية أن تنشئ الأفراد تنشئة مبنية على الالتزام بالقيم الإيجابية النابعة من مبادئ الشريعة وأن يكون المسجد مؤسسة اجتماعية تساهم في تثبيت دورها في تنشئة الأفراد وعدم قصر ذلك على الواجبات الشرعية فقط، وعلى الإعلام أن يكون متميزا في اختيار مادته العلمية القادرة على صياغة سلوك الأفراد ليكون سلوكا إيجابيا. وسائل التقنية من جهتها، ذكرت الأخصائية الاجتماعية للاستشارات الأسرية الدكتورة أريج داغستاني أن تعارف الأشخاص عن طريق وسائل التقنية الحديثة بريء إلى أن تثبت إدانة مستخدميها بالفساد، بمعنى أن تظهر مؤشرات الحد الفاصل يبن الصواب والخطأ التي تخل بمقياس ميزان الحياة لدينا، وهي تختلف من شخص لآخر، بحسب شخصيته. نقاط الضعف وذكر الخبير الأسري والاستشاري النفسي والاجتماعي الدكتور خالد بن محمد باحاذق أن المبتزين يدرسون حاجة الضحية ويشددون على مواطن الضعف لديه ليجدوا لأنفسهم مدخلا كالحاجة المادية أو العاطفية وضعف الوازع الديني والفراغ، فمتابعة أبنائنا لا تعني الشك بهم ولكن من باب رعايتهم والمحافظة عليهم وتوجيههم التوجيه السليم تأسيا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته». اتخاذ اللازم وقال في هذا الشأن الناطق الإعلامي لشرطة العاصمة المقدسة المقدم عبدالمحسن الميمان إن الشرطة تتخذ الإجراءات اللازمة حيال المقبوض عليهم في قضايا الابتزاز؛ بإحالتهم إلى هيئة التحقيق والادعاء العام وهي من تحيل المتهمين إلى المحكمة التي تقرر نوع ومدة العقوبة المترتبة على ذلك، مقللا من حجم المشكلة باعتبار أن البلاغات التي ترد في هذا الشأن قليلة مقارنة بالقضايا الأخرى. تطبيق العقوبة وأعتبر المستشار القضائي الخاص الدكتور صالح بن سعد اللحيدان أن الابتزاز من المحدثات التي ظهرت عبر ضعف التوحيد والإيمان، مطالبا بوضع استراتيجية للتصدي للابتزاز وتطبيق اقصى العقوبات على المبتزين. ضعاف النفوس وذكر الباحث النفسي والاجتماعي العميد الدكتور نايف محمد المرواني قائلا: الابتزاز من الظواهر الإجرامية الخطيرة التي انتشرت في المجتمع بصورة لم تكن مألوفة من قبل، وهذا ما أفرزته أدوات التقنية الحديثة، حيث أسيء استخدامها من بعض ضعاف النفوس، ويساعد في بلوغها سهولة ارتكابها ويسر اقتنائها. غياب الرقابة فيما تحدث أستاذ التنمية الاجتماعية بجامعة طيبة الدكتور حسن مرشد الذبياني فقال: لا بد من إيجاد ضبط اجتماعي وفتح قنوات مع هذا الجيل، فقضية الابتزاز هي من الأمور التي غاب عنها الضبط الاجتماعي. واضاف أن من مسببات انتشار هذه الظاهرة التي جعلتها تنتشر بين أوساط المجتمع غياب الرقابة الأسرية.