كان أكثر ما حرصت عليه اسرائيل قبل أن تتخذ قرار ضرب قطاع غزة يوم الإربعاء الفائت هو اطلاع صاحب القرار في واشنطن والقيادات الأوروبية على عزمها بالقيام بعملية عسكرية ضد حركة حماس، فالرئيس الأمريكي باراك اوباما حسب صحيفة معاريف الإسرائيلية كان مؤيداً تماما للقرار الإسرائيلي، ويرى ذلك حقا لها للدفاع عن نفسها والخروج بعملية «عامود الدخان» للقضاء على كبار القيادات السياسية والعسكرية الحمساوية في قطاع غزة.. كما أن كبار المسؤولين الامريكيين وبالتحديد الذين يعملون في جهاز المخابرات الامريكية، وبعض الأجهزة الأمنية التي تتعاون مع اسرائيل اعربت عن تأييدها لهذه العملية وخاصة اغتيال الجعبري، لم تكتف اسرائيل بأخذ تأييد الرئيس الامريكي فقط، بل بادر نيتنياهو بالاتصال بكبار القادة الدوليين أثناء قيام العملية بداية بنائب الرئيس الأمريكي جو بايدن، ووزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون، والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، والأخير طلب من نتنياهو تقصير العملية لأقرب مدى ممكن. هذا التأييد الواضح لعملية عامود الدخان يضعنا أمام رضا دولي عن هذه العملية، واعتراف معلن بشرعيتها، وهذا يجعل من المؤكد أن الاستنكار العربي ضد التصعيد العسكري الإسرائيلي لن يفقد تأثيره وحسب بل سيفقد حضوره أيضا على عكس ما كان عليه في الحرب على غزة 2009، عندما كان للصوت العربي حضور مهم في الاممالمتحدة و استطاع انتزاع قرار من مجلس الأمن بوقف الحرب على قطاع غزة. ولمعرفة اسباب هذه العملية اولاً يجب أن نستبعد تأثير الانتخابات الاسرائيلية التي سوف تجري في يناير القادم على هذه العملية، ونقر بحسابات اسرائيل الأمنية والاستراتيجية التي تجاوزت التكسب الانتخابي، كما أن الظروف بالمنطقة إن لم تكن تخدم التوجه الإسرائيلي العسكري، فهي لن تؤثر عليه، فسياسة اسرائيل قبل الربيع العربي هي سياسة اسرائيل بعد الربيع العربي، التي لم يغير ضجيج الشارع العربي منها شيئا، بل زاد قناعاتها بنجاح سياساتها السابقة، التي ترى أن المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين لم تكن مفيدة في حال تأجيل ضربة عسكرية أو تمهيدا لها، مثل ما حصل في مفاوضات كامب ديفيد الثانية عام 2000، التي تبعها اندلاع موجة عنف في الحرم القدسي قامت على اثره الانتفاضة الفلسطينية الثانية. ففي خطابه أمام الكنيست منذ قرابة شهر اتهم بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء السابق ايهود أولمرت بأنه جر اسرائيل الى حربين لا طائل لهما، الأولى حرب لبنان 2006، والثانية عملية الرصاص المصبوب على قطاع غزة 2009، سبب انتقاد نتنياهو لأيهود أولمرت أن اسرائيل لم تستطع القضاء على مخاطر حماس أو حزب الله حتى بعد شن هاتين الحربين، بل انهما استطاعا تحقيق مكاسب عسكرية قوية، واعادا تأهيل نفسهما عسكريا بعد هاتين العمليتين، هذا الانتقاد قبل شهر من قيام اسرائيل بعمليتها الاخيرة ضد قطاع غزة، إذا تحول الى اجراءات عملية يصحح بها صاحب القرار الاسرائيلي المسار الخاطئ في حربي لبنان والرصاص المصبوب على غزة - كما يرى نتنياهو- سوف تشهد غزة المزيد من الاغتيالات في صفوف القيادات بحركة حماس، وربما تقوم اسرائيل ببناء جدار عازل آخر يعزل غزة نهائيا عن باقي الأراضي المحتلة لكي لا يصبح لقطاع غزة منفذا حيويا إلا باتجاه معبر رفح المصري، وهنا علينا أن نفترض هدفا لعملية عمود الدخان وهو الحاق قطاع غزة بسينا المصرية قسرا بالقوة العسكرية حتى يتمكن سكانها من العيش، وقبل أن يسبق ذلك أي اجراء سياسي مع القاهرة، وهذا يجعلنا أمام سبب مقنع لسحب مصر سفيرها من تل ابيب اثناء العملية العسكرية. في مقال سابق قبل أسبوعين ذكرنا ان سياسة اسرائيل منذ بداية عقد الثمانينات تحاول الحاق قطاع غزة بسينا وفشلت في ذلك، فهل تنجح اسرائيل عسكريا بضم قطاع غزة لسينا، بعد أن فشلت سياسيا على مدار الثلاثين عاماً الماضية، خاصة وأن عمليتها الأخيرة تحدٍ بتأييد دولي واسع.