لم أستغرب حقيقة ما حدث في مطار الملك خالد الدولي لحظة وصول الأرجنتيني ليونيل ميسي، وما صاحب ذلك من جمهرة فوضوية، ولكنني استغربت من ردة فعل البعض الذين ثارت ثائرتهم وجن جنونهم واعتبروا ما حدث كارثة وربما خرقا لمواثيق الأممالمتحدة !! قد أدهش بصراحة حينما أسمع أن ما حدث لميسي مساء الاثنين الماضي كان في ألمانيا أو اليابان أو غيرهما من الدول التي تعتبر النظام أساسا للحياة، لأن ذلك يعتبر خروجا عن المألوف ولكن بما أن هذا الأمر وقع هنا وفي مجتمع لم ينشأ على النظام وباتت الفوضوية والعشوائية أساسا في حياته فلماذا أصاب بالحيرة، فهذا هو المألوف والمتوقع والممارس ! وما كان من أحداث صاخبة لحظة وصول العملاق الصغير هو صورة كربونية لممارسات نقوم بها نحن في مجتمعنا وبأشكال مختلفة، في المطار وفي البنوك وفي الدوائر الحكومية وفي المخبز وحتى عند «راعي البروستد» !! وبات هذا الأمر جزءا من ثقافتنا حتى صرنا نسمي الطابور فوضى ! لذلك من تباكى على ميسي وعلى تلك الفوضى كان عليه أن يتباكى أولا على زحمة الشوارع المعبأة بالحفريات وعلى طلاب المدارس المتناثرين بعد الخروج من المدرسة وعلى التدافع الخانق أمام شبابيك التذاكر وعلى ناقلات الغاز التي تتوسط الطرق والسيارات بكل بجاحة، وعلى النوم في أسياب المستشفيات انتظارا للدور !! وعلى التفحيط اليومي والجماعي والذي تذهب ضحيته أرواح !! وعلى انتظار أصحاب الحوادث دوريات المرور لساعات طويلة تحت الشمس، وعلى وعلى.. ! وبعد ذلك ينصب صيوان العزاء على الأرجنتيني ميسي ورفاقه وينعى لنا موت النظام ويمطرنا بمرثيات لم يكتبها إلا حينما رق حاله على ميسي وهو يعلم أن هذه الحال هي الأصل عندنا وبات العكس استثناء ! ما كتبته أعلاه ليس تبريرا لما حدث في مطار الملك خالد الدولي بل تأكيد على أنه ليس بخروج عن المألوف عندنا وبالتالي علينا أن نتقبله ونرضى به كما رضينا بكل ما يحدث في شتى المجالات الحياتية التي نعايشها يوميا، ولكن لأن البعض خشي على صورتنا أمام وسائل الإعلام الغربية تعامل مع الحدث وكأنه كارثة ونقطة سوداء في تاريخنا في ازدواجية غريبة للمعايير !! ولو كان التعاطي الإعلامي مع كل حدث فوضوي وغير نظامي في مجتمعنا كما تعاطينا مع قضية استقبال ميسي لكنا اليوم أفضل من اليابان وأوروبا ولطلب ميسي بنفسه أن يصور معنا بدل أن يلاحقه بعض هذا النتاج الفوضوي والعشوائي في جنبات المطار بملابس نوم !! ليصوروا معه !! لا يمكن لنا أن نفصل النظام على مزاجنا فنعطله في الداخل ونحاول أن نبرزه للآخر ولعلنا لن نصلح هذه إلا بتلك !! وللناس في ما يكتبون مذاهب. تويتر : alaseerie