يتفاعل المصلون مع خطب الجمعة بين مؤيد لأسلوب وأداء الخطيب أو معارض له، لكن الملحوظ أن التذمر في الآونة الأخيرة من أسلوب خطباء الجمعة بات ضئيلا. ويرجع قلة تذمر المصلين، كما أوضح مشاركون، إلى التميز الملحوظ للخطباء وبعدهم عن أساليب البكاء والعويل التي كانت تطغى على بعضهم، فضلا عن اكتسابهم للقدرات الخطابية، كإيصال المعلومة. ولفتوا إلى أن قلة الثقافة الشرعية الواسعة لبعض الخطباء مانع لهم من دعم موضوعاتهم، برغم حاجة الخطابة إلى التفقه، كونه يتيح للخطيب دقة العرض للموضوع والقدرة على إيصال المعلومة بأساليب متنوعة. وشدد المشاركون على أن تطوير الخطيب لا يتوقف على مستوى معين، حتى وإن كان متميزا، بل يتوجب التطوير في القدرات، منوهين بأن كثيرا من الأئمة تحسنت أساليبهم ولم نعد نسمع عن بكائهم أو عويلهم كما كان في سابقا. ويشير محمد علي (أحد المصلين) إلى حرصه في وقت سابق على الصلاة خلف أحد الأئمة يبعد مسافات بعيدة، وذلك للاستماع إلى خطبته، كون خطبه تلامس الحاجات وتعالج القضايا بشكل دقيق. وأوضح أنه بات في الوقت الحالي هناك خيارات عدة بين الخطباء، ولم يعد التميز نادرا، غير أنه لفت إلى أن بعضهم ما زال على أسلوبه القديم، حينما يرفع صوته أثناء الإلقاء بطريقة مبالغ فيها، كما تشعر بأن خطب البعض ما زالت غير دقيقة أو غير متعوب عليها، كما أن موضوعاتها تحتاج أحيانا إلى التجديد. دعاية قديمة من جانبه، دافع إمام وخطيب جامع الملك سعود في خزام سعيد القرني عن خطباء المساجد، قائلا «البعض ما زال يروج ضعف الخطباء، وأنهم ما زالوا أصحاب قدرات محدودة، برغم وجود الكثير من خطبائنا المتميزين والموزعين على الأحياء». وطالب خطباء المساجد بأن يطوروا من قدراتهم الخطابية للوصول إلى مستوى عالٍ من التأهيل، قائلا «الإنسان يطور نفسه يوما بعد آخر دونما التوقف مستوى معين». دور هام من جانبه، أوضح عضو هيئة التدريس في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور علي بادحدح أن «المسجد قلب المجتمع»، مشيرا إلى أن الخطبة تمثل دورا هاما في حياة المسلمين، إذ أنهم ينتفعون منها بعد أن يتهيأوا لها بالاغتسال والتطيب والتزام الهدوء والإصغاء. وأضاف «خطبة الجمعة رسالة عظيمة، فهي قناة لتلقين جموع المصلين الأحكام الشرعية، وتعريفهم بأمور دينهم»، لافتا إلى أنها تكتسب أهميتها كونها توقظ الهمم، ومشددا على ضرورة تحقيق أكبر قدر من فوائدها، وذلك بتحديد أهداف الخطبة. وعدد بعض فوائد الخطبة، كتعريفها للإسلام الحقيقي وشرائعه، كما توعي المسلمين وتطهر عقولهم من الخرافات وتبرز الفكر الإسلامي النير، وتتصدى في الوقت ذاته للشبهات والأفكار المنحرفة بالحكمة والموعظة، كما تعرف بالحضارة المعاصرة وتبين إيجابياتها وسلبياتها. وتطرق إلى أن «الخطيب ينبغي ألا يستغني عن الموضوعية، فيعتمد على دراسات علمية دونما الانطلاق وراء العواطف، كما عليه البعد عن التعصب للآراء أو التشدد في المسائل الخلافية». تقدم مستمر الداعية أحمد أمين لفت إلى أن الخطباء في تقدم مستمر، ولم تعد صورة البكاء المعهودة في وقت ماض منتشرة حاليا. وبين أن تطور أساليب الخطباء الملحوظ لا يعني الوقوف عند حد، بل بتوجب المزيد، منوها بضرورة الانخراط في دورات تعزز من قدراتهم، مع أهمية إعداد المادة العلمية للخطبة جيدا. آلية منظمة ويشير مدير عام الأوقاف والمساجد في محافظة جدة فهيد البرقي إلى أن الخطباء قبيل تعيينهم يخضعون لآلية منظمة وضوابط وتعليمات؛ لضمان الوصول إلى مستويات راقية في الخطابة، إذ يتطلب التأهيل الجامعي في أحد التخصصات الشرعية، واجتياز الاختبار الذي تقيمه اللجنة الفرعية لشؤون المساجد. ويوضح أن إداراته تقيم دورات للخطباء والأئمة والمؤذنين بين الحين والآخر. وأكد البرقي أن الخطباء يعتنون بخطبهم ويهتمون بها، قائلا يستحيل الوصول إلى الكمال المطلق الذي ينتظره الناس. ضرورة العناية وحول دور الخطيب في المجتمع يوضح الأستاذ المشارك في قسم الدراسات الإسلامية والعربية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن الدكتور مسفر القحطاني أن الخطباء لهم دور هام في إقبال الناس على خطبهم، خصوصا أن الخطيب يتحمل المنبر والعقول التي أنصتت إليه، مطالبا الخطباء العناية بخطبهم؛ كي تحقق الفائدة، كما ينبغي أن يتوافر فيها عنصر التشويق الذي لا يبعث على السأم أو الملل. وأكد القحطاني على ضرورة تطوير الخطباء لقدراتهم، من حيث الثقافة الشرعية، الثقافة العامة، طريقة الإلقاء، الإتيان بالجديد، القدرة على الإقناع، والتركيز على الفكرة. ودعا الخطباء إلى الابتعاد عن التحليل والتعليق على المواقف والأحداث أو تحليل أقوال العلماء، بما تبثه القنوات الفضائية أو الإذاعية، أو ما ينشره الناس من أخبار، كما أن عليهم الابتعاد عن التكرار في المواضيع، بل ينبغي عليهم اللجوء إلى ما ينفع الناس علميا وواقعيا في حياتهم. وأوضح أن الخطبة المركزة التي تحمل النصوص الشرعية والقناعات العقلية تريح أذهان المستمعين، كما أن على الخطيب القرب من احتياجات المصلين. ودعا من يخطب ارتجالا إلى أن يضع نصب عينيه الزمن، فيتمالك الوقت المحدد للخطبة، دونما الخروج عن موضوعه أو الابتعاد عما هو مفيد.