حياة الياقوت أديبة كويتية رسمت في سماوات الإبداع لوحات أدبية مفعمة بالأحاسيس المطرزة بألوان قوس قزح وشموع الأمل، حيث يتبين ذلك جيدا من خلال التأمل في تجربتها الإبداعية الفريدة التي لم تحصرها في مجال معين كونها صاحبة فلسفة خاصة في الحياة تقوم على رؤيتها للعالم من خلال نظرة تجمع بين العقل والعاطفة وبين التركيز على التفاصيل والتسامي عليها في ذات الوقت، وهذا لعمري ناتج عن تنوع دراساتها الأكاديمية بين العلوم السياسية واللغة الإنجليزية وعلوم المكتبات والمعلومات التي حصلت فيها على شهادة الماجستير، كل ذلك مكنها من تكوين ثقافة لغوية ثرية منحتها القدرة على اقتحام العديد من الأجناس الأدبية كالرواية وقصص الأطفال والمقالة. قصة ولادة النص أديبتنا حياة الياقوت روت ل«عكاظ» قصة ولادة روايتها «كاللولو» فقالت: «هذه الرواية انسلت إلى عالمي بطريقة لا أعرف لها تفسيرا في أواخر عام 2008، وجدتني أكتب نصا بعنوان «أسنان لبنية». وهذا النص يحكي قصة فتاة مع أسنانها في فترة الطفولة وحتى نضوجها. هذه القصة (والتي لم أنشرها!) أعادتني قسرا إلى فترة الثمانينيات التي ولدت فيها، لقد أتتني بجرعة من النوستالجيا التي أخذت تحوم في رأسي. بدأت الأفكار تنثال على رأسي، وجدتني مدفوعة لتخليد هذه الفترة، لا أدري هل كان هذا بدافع الانحياز لطفولتي أم فعلا لأن تلك الفترة كانت حقا بهيّة ولافتة. حتى عنوان الرواية جاءت من أغنية ثمانينياتية كانت تعرض في برنامج سلامتك: «أسنانك تلمع كاللؤلؤ ويفوح شذاها كالأزهار». أما البطلة فكانت خيال أو «لولو» كما يسمونها. كنت أريد أن آسر كل ما يمكنني من تفاصيل ذلك الزمن، لكن من عيني طفلة، وبقلب طفلة. وكنت أريد أيضا أن أقتنص فرادة تلك الفترة وما يجعلها مختلفة، فكانت شخصية «بابا جاسم» جد خيال الذي كان حاضرا في الرواية عن طريق قصاصات من مذكراته عثرت عليها خيال في المخزن. بدأت بكتابة «كاللؤلؤ» في أواخر 2008، وانتهيت في أوائل 2012. وخلال هذه الثلاث سنوات بدأت بكتابة رواية أخرى وهي «آلس في بلاد الواق واق» وانتهيت منها ونشرتها في 2011، وظلت «كاللؤلؤ» عصية على الانتهاء أو النشر. لقد نضجت هذه الرواية على نار هادئة لتأتي لاحقا وترمي بشرر وشعلات وأحيانا شموع!. من «رواية كاللولو» تسحب سرمد جفنيها السفليين بسبابتيها وتخرج لسانها، وتعقد المفاجأة لساني! كيف عرفت «سرمد» بالأمر وأنا الحريصة على إخفاء ركبتيّ كل الحرص ؟! وهل هناك طريقة لإذلال فتاة أسوأ من تعييرها بلون ركبتيها ؟ تستمر سرمد في إفشال هجومي، وفي شلّي بسمومها اللسانية: - خيالوه بو تمبة كسّر اللمبة، صحن صين وصحن همبة!. تصمت قليلا لتنبش في ذاكرتها عن شيء تغيظني به، وأنا لا أزال مشلولة بما قالته عن ركبتيّ. ثم أخذت تغني أغنية منتجات لولو للتنظيف: - لولو للزجاج، بسرعة بيلمّع، آه يا عيني. لولو للسجاد، لولو للموكيت .. وخلال بضع ثوان ودون أية مقدمات منطقية، تحول وجهها المعمور بالشتائم إلى وجه ينضح براءة. وبدأت عينا سرمد بالإغروراق بالدموع. ثم صرخت مفجوعة وبصوت عالٍ: - الله يسامحك !. الله أكبر كبيرا ! من أين هبط كل هذا التهذيب عليها ؟ التفتت ورائي وإذا بي أرى إحدى المعلمات تقترب نحونا، معاجلة سرمد بالسؤال: - ماذا يحدث ؟ ما بك يا سرمد ؟ هل أنت بخير ؟ صمتتْ سرمد متأبيّة. أخذت تنظر إلى الأعلى لتستعرض عينيها المعبأتين بالدموع، ولتتفاخر بدمعها العصي الذي يستنكف النزول من مقلتيها. هو يكتفي بالالتماع، وهي تكتفي بالصمت. توجهت إليّ المعلمة حانقة، تسألني عما حدث وهي تهش عليّ بمسطرتها الخشبية ذات الطرف الحديدي (قياس 30 سنتمترا طبعا) كما لو كنت شاة مارقة عن القطيع. ماذا أفعل ؟ ماذا أفعل ؟ أجل ! سياسة النافورة، سياسة الحنفية. استجمعت كل قواي وأخذت أنوح. كان علي أن أفقدها أسبقية الدمع. الكثرة تغلب الشجاعة، وتغلب الأسبقية. أما سرمد، وبعد صمت طويل، صمت حذر ومعبّر، اكتفت بذرف دمعتين عزيزتين. فطلبت مني المعلمة بحزم ودون أن تعرف ما المشكلة أن أعتذر إلى سرمد ! ماذا؟ ماذا ؟ ألم يجد عويلي نفعا ؟ كيف تفوقت دمعتاها على فيضاناتي ؟ الدمع العزيز ينتصر ويقهر دموعي المبتذلة اللحوحة. الدمع القليل دمع ذو معنى خاصة إذا كانت الغريمة مثلي؛ فتاة عرف عنها أنها بكاءة. سقطت سياسة النافورة، وانتصرت سياسة الري بالتنقيط. {...كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة ...}!. يخرج المعلق الرياضي من غيمة فوق رأسي ليعلن: سرمد بالبنطال الوردي على يمين الحلبة، وخيال بالبنطال «الأدعم» على يسار الحلبة. خيال القوة الغاشمة، سرمد القوة الناعمة !». اليك يا حياة قبل عدة سنوات التقيت بالزميلة حياة الياقوت في أحد معارض الكتب وقد اندهشت لمغامرتها الجميلة في النشر الإلكتروني وهو مجال جديد على ساحة الإبداع في عالمنا العربي، إلا أن حياة بدت أكثر اندفاعا وعزيمة لتحقيق ما تصبو إليه وحققت النجاح في هذا المجال، وبدت أكثر تألقا وإبداعا في الأعمال الروائية التي صدرت لها حيث انبهرت بها لكون أسلوب الصياغة جديد على الرواية الكويتية فهي اسم جميل يضاف لإبداعنا الكويتي والخليجي. حمد الحمد حياة الياقوت تكتب مشحونة بالمغازي، نصوصها أشبه بالفخاخ، توجهك بكثير من التركيز والقصدية إلى حيث تريدك أن تتجه بأفكارك، اتمنى أن تخلص حياة لموهبتها المدهشة في البحث والتقصي. أحب قدرتها على تكوين الرموز وشحن اللغة، وأتوقع منها الكثير الكثير من العطاء الجمالي والمعرفي. بثينة العيسى