حملت الانتخابات الأمريكية مناخا تصالحيا مع «نمط الديمقراطية الأمريكية» الفعال الذي أنتج التجديد لرئيس كان حتى مطلع القرن الماضي غير قادر على مجالسة مواطنه الأبيض في المرافق العامة، والمدارس والجامعات، وحتى المطاعم والمنتزهات. هذا التغيير الجوهري في نمط التفاعل الأمريكي مع الديمقراطيات المنسجم مع التطور الطبيعي للمجتمع المتنوع، والانفتاح العالمي غير المسبوق على المستويين الفكري والاقتصادي ربما يؤدي إلى لمسة « أوبامية» لافتة في مسار التاريخ الأمريكي الذي لم يسبق له التجديد لرئيس لم يخض حربا في ولايته الأولى؛ ولهذا فإن مقاربات استشراف المستقبل السياسي الأمريكي تحكمها عناوين اختلفت في الشكل والمضمون عن مثيلاتها في المعارك السابقة، ما طبع الانتخابات الحالية لعام 2012 بامتياز بطابع اقتصادي مالي بحت اختبأ فيه السياسي خلف الهموم اليومية الأمريكية ما يشكل بحق انعطافة مهمة لرئيس استثنائي أمريكي. ما يهم في الانتخابات الأمريكية هو خطاب الانتصار لأوباما الذي أكد أن النمط الأمريكي في الانتخابات هو ما يجب تعميمه لحل أزمات الشعوب والأمم الأخرى؛ يعني أنه كرس الانتقال من مرحلة فرض القيم الأمريكية بقوة السلاح والبطش، وبعقلية الإرهاب الدولي والغطرسة «الرومانية» إلى تعميم القيم والنمط الأمريكي في التجربة السياسية العالمية؛ ما يفتح الآفاق واسعة أمام مصالحة تاريخية مع بلد، وتحالف مع أعدائنا تحقيقا لمصالحه وأهدافه الاستراتجية. أمريكا لن تكون حمامة سلام العالم، لكن بكل تأكيد ستحرج العالم هذه المرة عبر إلزامه بنمط ديمقراطي يحقق لها القدم العليا، ويحافظ في الجوهر على مصالحها. ولعل ذلك يشكل سر الحل للأزمة السورية السائرة نحو توافق عربي ودولي عبر التوافق على عملية سياسية تتوج بانتخابات تشرف عليها الأممالمتحدة سعيا إلى إنتاج نظام ربما يكون أولى خطوات خلاص سورية من عهد البلطجة والقهر الذي أدخلها فيه قسرا آل الأسد، ورئيسهم الذي سيودعه السوريون قريبا حيا أو ميتا.