تعطي المؤشرات الأولية للقاء الساعتين بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ونظيره الروسي فلاديمير بوتين تقارباً أكبر وأكثر وضوحاً في الموقف حيال سورية، وبالتقاء الجانبين على الالتزام بمرحلة انتقالية (ما يعني نقل السلطة، وهو مطلب أميركي) ويطبقها السوريون أنفسهم (وهو مطلب روسي). ويعطي هذا الالتقاء صيغة لمباشرة مفاوضات أكثر استعجالاً في المدى المنظور ولإيجاد آلية دولية مقبولة بعد انتهاء مهمة المراقبين الدوليين في منتصف تموز (يوليو) المقبل. ولعل مدة اللقاء الذي تخطى الساعتين في المكسيك وانتهائه ببيان مشترك مفصل لأوباما وبوتين، يعكس الأهمية البالغة ومحورية العلاقة الروسية-الأميركية في أكثر من ملف اقليمي ودولي، فالبيان المشترك تطرق الى ملفات متعددة، بينها قبول روسيا في منظمة التجارة العالمية، المحادثات الايرانية النووية، حرب أفغانستان، محاربة تنظيم «القاعدة»، تطبيق اتفاقية ستارت، ومسائل أخرى تعبر عن الحاجة المتبادلة للتعاون بين البيت الأبيض والكرملين لتحقيق مصالح البلدين. وشكل الملف السوري العنوان الأضخم للمحادثات، وكان أيضاً موضع التصريحات التي أعقبت اللقاء من تأكيد بوتين على وجود «نقاط مشتركة» واشارة أوباما إلى «امكانية العمل مع روسيا لتفادي حرب أهلية» في سورية. وصاحَبَ اللهجةَ الحذرة في البيان المشترك، الرغبةُ لدى واشنطنوموسكو في التركيز على أوجه التوافق وليس الخلاف، فالبيان لم يتضمن أي اشارة لتنحي الرئيس السوري بشار الأسد (بسبب تحفظات روسيا) ولم يشر أيضاً الى مجموعة اتصال تسعى الى تشكيلها موسكو وتضم ايران (تعترض عليها واشنطن)، لا بل عكست لغته التقاء روسياً أميركياً حول «وقف العنف والمباشرة بالمرحلة الانتقالية السياسية الى نظام ديموقراطي وتعددي يتم تطبيقه من السوريين أنفسهم وفي اطار السيادة والاستقلال ووحدة الأراضي السورية». وتأخذ هذه اللهجة بعين الاعتبار معارضة روسيا لتدخل خارجي وبالتالي ابقاء المرحلة الانتقالية في اطار «سوري»، وفي الوقت ذاته الاقرار بضرورة مباشرة هذه المرحلة، ما يعني فعلياً الإعداد لنقل السلطة، وهو مطلب أميركي. ويحاول الجانبان الروسي والأميركي تفادي حرب أهلية في سورية، رغم خلافاتهما حول شكل المرحلة الانتقالية والنفوذ الاستخباراتي والأمني في مرحلة ما بعد الأسد، وهما يلتقيان في دعم خطة أنان وبنودها الست، والتي تشمل حواراً بين المعارضة والنظام. ويزيد من التعقيدات في ايجاد آلية عمل مشتركة، ضِيقُ هامش المناورة السياسية أمام أوباما بسبب الانتخابات الرئاسية الأميركية، فالمفاوضات تتخطى الاطار السوري وتشمل قضايا الدرع الصاروخي، مشروع قانون في الكونغرس يدين سجل حقوق الانسان في روسيا، وصفقات أسلحة وعقود في أفغانستان. وسيكون بامكان أوباما تقديم تنازلات أكبر بعد الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني (نوفمبر) في حال فوزه بولاية ثانية، أما فوز المرشح جمهوري ميت رومني الذي وصف روسيا ب «الخصم الجيو استراتيجي الأول للولايات المتحدة»، فسيعني مزيداً من التأزم والخطاب التصعيدي بين الجانبين.