من يتأمل جيداً في المشهد السياسي – الإداري لمؤسسات الدولة في الحكومة السعودية، سوف يلاحظ وبدون عناء طويل أن هناك انحيازاً من الدولة نحو المواطن يفوق انحياز بعض فئات المجتمع تجاهه. فإذا كانت الحكومات في كل دول العالم وتحديداً أذرعها الأمنية تقف في بعض الأنظمة الديمقراطية أحيانا في موقف من يريد انتزاع بعض الحقوق والحريات أو تمارس في الأنظمة الديكتاتورية كل أصناف الاستبداد والتعسف، فإننا هنا – وبدون مبالغة وكما يشهد الواقع المعاش – نرى مفارقة غريبة ولكنها غير مستغربة. حيث تقف الأجهزة الأمنية وتحديداً جهاز وزارة الداخلية في صف المواطن، وفي جهة إضافة مزيد من الحقوق المستحقة له، والتي ترى بعض فئات المجتمع أنها ترف أو زيادة، أو حاجة غير ضرورية، إن لم يقف البعض ضدها كليا بالرفض القاطع لوجودها وتحقيقها. وحتى لا يكون هذا التوصيف تنظيراً في الهواء الطلق نقف أمام 3 مظاهر تتجسد فيها هذه الحالة التي نشير إليها هنا، وهي كالتالي: أولاً – احتواء الضال فالملاحظ حين تقف كل دول العالم مع المواطن حتى يشط عن الخط أو يجنح عن طريق الصواب وتبدأ بعد ذلك في الترصد به والوقوف ضده، نجد وزارة الداخلية حتى آخر لحظة تنتصر للمواطن حتى وإن ضل الطريق -لعل وعسى-، وتفتح له به العودة، ليس اجتهاداً وحسب الطاقة والإرادة، بل أسست حضنا دافئا ومؤهلا لتفعيل جينات العودة إلى الصواب عبر المناصحة والإرشاد وفتح أبواب الحياة الأجمل والأنبل مرة أخرى بل إنه حتى الذي يمضي في غيه إلى ما لا نهاية، أو بمعنى أدق إلى نهاية الشر المحتومة، فإنها لا تجعل من موقفه السيئ لعنة على ذويه وأهله، ولكنها تقف في صفهم حتى لا يتوارثوا السوء ويتناسل بينهم الشر، ويحملوا عاقبة لا يد لهم فيها. والنماذج هنا كثيرة والحالات متعددة والقاصي يشهد عليها قبل الداني. ثانيا – تمكين المرأة لا يمكن أن نغفل عن حالة مهمة جداً في واقعنا الاجتماعي – السياسي وهي أن عهد الملك الصالح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز هو عهد منّ الله به على المرأة بكثير من الحقوق والامتيازات والصلاحيات وتمكينها من النهوض بدورها الإنساني والحضاري والاجتماعي على أكمل وجه، ولكن لكي يتحقق هذا على الأرض نجد أن وزارة الداخلية تمثلت هذا التوجه الإسلامي – الإنساني على أكمل وجه، ودعت بقوة إلى منحها كل ما يحقق وجودها، بل ودافعت عن هويتها وحقها في إثباتها بينما نجد بعض فئات المجتمع تقف ضد هذه البادرة الإسلامية – الإنسانية، بل إن بعض أعضاء مجلس الشورى لم يستوعبوا هذا الوعي ووقفوا ضد المرأة في خطابهم، ومواقفهم. ثالثا – الحكومة الإلكترونية بينما لا زالت وزارات كثيرة تئن من الأسلوب الإداري القديم، وتمارس عبره مهامها اليومية ومسؤولياتها نحو المواطنين نجد أن وزارة الداخلية قفزت قفزة خارقة نحو المكننة والحكومة الإلكترونية وجعلت كل خدماتها المستحقة للمواطنين متاحة بضغطة زر وتواصلها مع شكواه ومطالباته بالتفاعل الحي والمباشر. ... هذه المظاهر الثلاث التي استشهدنا به هنا لمدى تفاعل وزارة الداخلية مع هواجس المواطنين ما هي إلا غيض من فيض ولكنها تمثل حالات محددة ودقيقة يمكن الاستشهاد بها بوضوح وبدون أي التباس. أما إذا أمعنا في الحديث فإنه يطول ولكن أقرب أنموذج هو مدى الحرية المتاحة للكاتب والمواطن عبر كل وسائل الإعلام أن يقول رأيه فيما يقدم له من خدمات من هذه الوزارة، بدون أن نخشى ردة فعل منها من نقد أداء المرور إلى إبداء الرأي في تفاعل الدفاع المدني مع الكوارث. ولهذا فإن هذه المظاهر الإيجابية ما هي إلا ملمح واحد من ملامح وزارة الداخلية التي تدخل الآن في عهد الأمير محمد بن نايف دورة جديدة من دورات السعي الدؤوب لحماية المواطن وصيانة حقوقه، واستلهام رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في زمن تمكين الإنسان السعودي لغد أجمل وحاضر جميل.