التكرار هو الذي يوجد العادة لتكتسب بواسطة السلوك، وتتوارثها الناس وتدونها في سجل مقدس تعيشها الأجيال على تتابع الأزمنة والحقب، إننا كلما اتجهنا جنوبا في أي بلد من بلاد العالم لامسنا الإشكالية التي يعاني منها معظم الناس، والتمسك بحذافير العادات والتقاليد، وقد اعتاد الفرد في العصر الراهن حرية التعبير وأيضا استقلالية القرار والخيارات، ولكن هناك عاطفتين في حال اجتماع الناس لا يمكن التنصل عنها وهي الود والانتماء، وينتج عن ذلك خوف ورهبة من النقد أو الانتقاص، إذا تم إضعاف فرض العادة أو القيمة لها. إننا نرغب في تسوية جادة بين الأجيال وإيجاد صيغة مناسبة تهب لنا الحياة بلا منغصات، أو نقد يؤدي إلى إقصاء، عندما تعزم على السفر لزيارة أقاربك أو أصدقائك لم يعد بوسعك أن تخطط لرحلتك أو تجدول يومك حسب رغباتك، بل لا تستطيع إلا أن تهب نفسك مشكورا لهم، فهو مجتمع اتفق على أسرك، ولا يهم ما تكون غايتك أو رغبتك، أنت هنا طبقا لمبادئهم وسلطة المضيف المطلقة التي تهدر جل وقتك بلا فائدة، لإحياء رموز التقاليد، إن الكثير يعاني من استفهام يخرج عن إطار القناعة، إلى الخشية والقبول والأمل واليأس، فالخشية هنا مثل الحسم تماما وتبقى ملهمة لكل التساؤلات، وتستمد منها الشرعية كغطاء لكل السلبيات، إن أشياء عدة في الحياة تتساوى مع أضدادها، لا تؤهلنا للتميز أو لاستدلالية معرفية أو معطى خالص، تظهر الأشياء بسيطة وفي عمقها معقدة يكتنفها الامتعاض، الذي يحول الأرواح إلى ثكنات تستجيب فقط للأوامر ولا شيء غيرها، فالأهواء تغدو خلف السحب تنتظر هطول التغيير مع المطر. فتتسابق النزعات الانفعالية إلى بوابة التحرر ولكن بلا جدوى، جميع المفاتيح في خزنة الأهل، يموت الأوائل ويبقى الأبناء حول تلك الخزائن المقفلة لا سبيل لفتحها أو حل شفرة بؤسها، بل يقومون بذات الأدوار وتنتج نفس الآثار. ثم تبدو الحياة في ظاهرها بسيطة لولا مفاجأتها التي تهدد استقرار أوتادها وثباتها، السؤال المؤرق إذا ما تخلت الناس عن العادات التي تلزم الأبناء بها دون قناعة أو رضا، هل تهتز قوانين هذه الحياة ؟ أم تبدو بلهاء تحتاج إلى متطوع يعدل من شروطها ويكسر صناديقها العتيقة؟ إن المظاهر بسيطة ولكن في العمق حقائق لا تكاد تختلف، حتى تتراجع مرغمة باسم العادات والتقاليد، وتأثيرها على تقدم الخطوات والتطور الذاتي الطموح، إن العقل يحرر الجسد من الجمود، والقلب يكتنز كل السلبيات باسم الود والولاء، وهذا الانشقاق هو ما يثني العزائم ويدهور النتائج المأمولة، وهذه المفارقة تؤيد الخلط بين الخطأ والصواب، إننا نصمم الأثواب وفقا للمقاسات المطلوبة ونلبس التقليد مقاسا فضفاضا لا يلائم العقول وبداهة العصر.