باتت الرغبة في استقلال التفكير واتخاذ خيار العيش بحرية بعيداً عن سيطرة الأهل المباشرة، هاجساً لدى العديد من الشباب والشابات في دولنا العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص، ما قد يجعل هذا الأمر ظاهرة في المستقبل القريب، خصوصاً في ظل الانفتاح النسبي الذي تعيشه مجتمعاتنا العربية، وانتشار "شبكة الانترنت" و"القنوات الفضائية" التي تساعد على ذلك، ما غيّر في الأنماط الفكرية والمعيشية، إضافةً إلى رغبة الشباب في الحصول على الحرية المطلقة في اتخاذ قراراتهم كبالغين. "الرياض" تطرح موضوع استقلالية التفكير لدى الشباب، وتلتقي بهم من الجنسين للاطلاع على آرائهم حول خيار العيش بحرية بعيداً عن تأثيرات الأهل، فكان هذا التحقيق. أمر غير مقبول في البداية قالت "هالة محمد" من مصر: إنها ضد الاستقلالية في التفكير في وقت مبكر من حياة الشباب؛ لأن هناك كثير من الأمور التي تفوق قدرتهم على استيعابها ومواجهتها، بل واتخاذ القرارات المناسبة تجاهها، سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً، مضيفةً أنه على الشباب أن يعطوا كل سن حقه، ففكرة استقلالهم عن ذويهم في التفكير قبل السن المناسب لذلك - وهو حسب رأيي بعد مرحلة انتهاء الدراسة الجامعية - أمر غير مقبول، كما أن عاداتنا وتقاليدنا لا تقبل هذا الأمر، ولكن للأسف يبدو أن بعضهم لا يهتم بذلك كثيراً!. «أنا حر» لا يعني الانفلات من القيم و«التقليد الأعمى» للغرب والخروج إلى «عالم شوفوني» أمر مهم وأكدت "خولة يوسف" من الإمارات، أن الاستقلالية في التفكير عن الأهل أمر مهم بالنسبة للشباب، موضحةً أن اختلاف الأجيال بينهم وبين أهاليهم يجعل من الضروري ترك مساحة من الحرية للشباب، وذلك لاتخاذ القرارات الشخصية بعيداً عن الأهل، ذاكرةً أن ذلك ليس أمراً سلبياً كما يتصوره بعضهم، بل هو أمر يساعد الشباب على تحمل المسؤولية وتطوير ذواتهم بعيداً عن القيود التي يفرضها الأهل، التي ترجع أحياناً إلى مبادئ بالية يتمسك بها الأهل من دون اقتناع، فقط توارثوها ويريدون تطبيقها من دون تفكير بمدى صلاحيتها في وقتنا الحالي. مهمتنا أكبر في «التنشئة» و«التأهيل» واحترام الآخرين تقليد أعمى وتعارض "بشاير العنزي" من المملكة، هذه الاستقلالية في التفكير خاصةً في سن مبكرة، قائلةً: إن هذا الأمر ما هو إلاّ تقليد أعمى للغرب، وهو غير جائز في مجتمعاتنا الشرقية، فعاداتنا وتقاليدنا تحتم علينا أموراً يجب التزامها، مبينةً أنه من الأفضل أن لا نقلد الغرب في كل شيء، بل في الأمور التي لا تتنافى مع تعاليم ديننا الإسلامي، وعاداتنا وتقاليدنا العربية الأصيلة، وإلاّ ستنفلت الأمور ويختلط الحابل بالنابل!. وآخر لا يستغني عن رسائل «البلاك بيري» وعي فكري وقال الشاب "أمين إبراهيم" من الأردن: أنا محايد نوعاً ما في هذه القضية، فالاستقلالية لها شروط كثيرة حتى تتم بشكل صحيح، منها: أن يمتلك الشاب أو الفتاة وعياً فكرياً عالياً، وأن يكون قادراً على تحمل المسؤولية فيما يتخذه من قرارات، مع مراعاة الأمور الدينية والأخلاقية في ذلك، مضيفاً أن كثيراً من الشباب يفرد عضلاته أمام أهله مدعياً أنه وصل السن المناسبة ليتخذ قراراته بنفسه، وفي أول تجربة له في اتخاذ القرار يفشل مع الأسف، فيعود للأهل لمساعدته على حل مشكلة قراره الخاطئ، بل وأحياناً يحملهم مسؤولية هذا القرار، بأنه كان يجب عليهم أن يقفوا في وجهه، وهكذا دواليك!. جيل مولع ب «التقنية» ويعيش حياته «ستايل» و«موضة» قيود معينة وذكر "سلطان الشمري" من الكويت، أنه يؤيد الاستقلالية في التفكير بالنسبة للشاب، ولكن يرفضها بالنسبة للفتاة، مضيفاً أن تعاليم ديننا الإسلامي وعاداتنا وتقاليدنا ماتزال تحكمنا بقيود معينة علينا مراعاتها، موضحاً أن المجتمع ينظر إلى الفتاة المستقلة بتفكيرها عن أهلها نظرة تحمل حكماً ب "العيب"، وهي بذلك تعيب أهلها، مشيراً إلى أن نظرة المجتمع للشاب المستقل في تفكيره تختلف عن نظرته للفتاة، حيث لا تقيده بقيود كثيرة كما يفعل مع الفتاة، مؤكداً أنه لا يعني بذلك قصور تفكير الفتاة عن الشاب، خاصةً أن الفتاة العربية اليوم وصلت لأعلى المراكز العلمية والمهنية، ولكنه يعبر عن عادات وتقاليد توارثناها عن أهلنا، وليست بكل الأحوال صحيحة، ولكننا أحياناً مجبرين على مجاراتها، كي لا نتعرض للنقد والسخرية من المجتمع الذي نعيش فيه. فاطمة السجواني أجيال مختلفة وأوضح "محمد" من قطر، أنه يؤيد الاستقلالية في التفكير، مضيفاً: "هي مقبولة بالنسبة لي بل وضرورية، فجيل الشباب اليوم يختلفون عن الجيل الشاب في الماضي، كما أن اهتماماتهم مختلفة، وطريقة تفكيرهم مختلفة، بل وحتى البيئة المحيطة بهم تختلف عن البيئة في الماضي"، لافتاً إلى أنه في ظل الانفتاح العالمي وتطور "تكنولوجيا" الاتصال، فقد أثر ذلك في طريقة تفكيرنا، بل وحتى مجالات اهتماماتنا، التي تبدو اليوم أنها لا تناسب مجالات اهتمامات أهالينا، مبيناً أنه يرى من حقهم أن يستقلون في تفكيرهم عن الأهل، الذين عليهم أن يتقبلوا هذا الأمر بصدر رحب، ونحن برأيي نستطيع أن نتحمل مسؤولية قراراتنا، خاصةً وأن أمورنا المادية اليوم أفضل وتساعدنا على مواجهة الصعاب، مقارنة بأحوال أهلنا في الماضي. هالة محمد مسألة معقدة وتحدثت "فاطمة السجواني" أخصائية نفسية، قائلةً: إن مسألة الاستقلالية أو الحرية في التفكير هي مسألة معقدة جداًّ في أيامنا هذه، فهذه الأفكار الجديدة التي تشيع بين أوساط الشباب حول المطالبة بالحريات كافةً، هي أفكار جديدة تغزو مجتمعاتنا العربية، صحيح أن الحريات موجودة منذ الأزل وخلق الإنسان حراً، ولكن كيفية تطبيق هذه الحرية والاستقلالية في التفكير هي التي تختلف من شعب لشعب ومن مجتمع لمجتمع ومن بلد لبلد، مضيفةً أننا كشعوب عربية وإسلامية لها عادات وتقاليد لا نستطيع تجاوزها أو حتى المساس بها، فهي تحكم تفكيرنا، بل وحتى حدود الحرية المسموحة لنا، ذاكرةً أن شباب اليوم بسبب الانفتاح الحاصل في كافة المجالات يطالبون بالتخلص من أية قيود تحكم حياتهم بحجة التطور والتقدم، وهذا ليس صحيحاً، فإذا لم تكن هناك معايير أخلاقية ومجتمعية تحكم تفكيرنا فبالتالي لن تستقيم الحياة؛ لأنها ستصبح غابة كلٌ يفعل ما يريد من دون مراعاة لحريات الآخرين أيضاً. خولة يوسف تربية سليمة وأوضحت "فاطمة" أن مشكلة شبابنا اليوم أنهم يطالبون بحقوقهم وبالحرية والاستقلالية من دون مراعاة للواجبات المفروضة عليهم تجاه الآخرين، فكثيراً ما أرى في عيادتي أولياء أمور يعانون مشاكل معقدة مع أبنائهم بسبب مطالبتهم بالحرية والاستقلالية، وما ينتج عن ذلك من تخبط وضياع وفشل في القرارات، مضيفةً أن الحل يكمن منذ البداية في التربية السليمة للطفل، وتعليمه أن يمارس الحرية في حدود المعايير الأخلاقية والمجتمعية المفرروضة على كافة الناس، إضافة على تعليمه احترام حريات وآراء الآخرين، وطبعاً لا يجب أن يغفل الأهل عن دورهم في التقرب من أبنائهم وخلق جسر من التواصل بينهم بدلاً من إقامة أسوار عالية لا يمكن لكلا الطرفين تجاوزها، خاصةً في هذا العصر المملوء بالمخاطر على الشباب. بشاير العنزي أمين إبراهيم سلطان الشمري الشاب محمد