لم تكن التسوية السياسية بين النظام ومعارضيه في اليمن إلا نتاجا واقعيا لتركيبة القوة، وتعقيدا لمكوناته، ومسارا إيجابيا متوائما مع طبيعة البيئة اليمنية، فعندما تكون البيئة غير مهيأة للثورة ويتم تخليق ثورة في واقع مضطرب ومنقسم على نفسه فإن الإصرار على فعل التثوير يؤدي إلى خلق النزاع والعنف، وربما الحرب الأهلية وفي هذه الحالة تصبح الثورة فعلا مضادا لحاجة الواقع ومتطلباته. وقد أثبتت التجربة اليمنية أنه بالإمكان إنقاذ فعل التغيير من خلال بناء استراتيجية توافقية تمكن الجميع من إعادة توظيف قوتهم لصالح التحول الإيجابي، ومثلت المبادرة الخليجية التركيبة السحرية التي خففت من النزاع والصراع بين قوى المجتمع وأسست للتغيير السلمي المستجيب لحاجات الناس. صحيح أن بعض الأطراف تسعى لإعاقة بعض بنودها إلا أن الأمل يحدو الجميع بأن النقلة النوعية ستكون بعد الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في 21 فبراير المقبل، فالشرعية الشعبية للرئيس المقبل سوف تخلق قوة مراقبة وضاغطة، وأتوقع أن تلتف حولها القوى المراهنة على المستقبل أيا كان مكان تموضعها، ناهيك أنها ستمكن الرئيس المنتخب من ضبط إيقاع مراكز القوى المتنازعة وإجبارها على الالتزام بالمبادرة وآلياتها، وتسلمه للسلطة سيولد الثقة لدى جميع الأطراف ويفتح الأفق للحوار الوطني والذي يمثل البوابة الكبرى لإعادة بناء الدولة وتحديد معالم مستقبل اليمن. ومن وجهة نظري أن إنجاز التغيير يحتاج إلى حكمة وصبر من قبل قوى التغيير عند تعاملها مع الأصوات المتهورة والمتطرفة، ومن جهة أخرى عليها أن تدرك أن ذكاءها سيبلغ مداه إذا تعاملت بتسامح مع خصومها، وستكون عبقرية إذا تمكنت من تحويل القوى التي تعتقد أنها مضادة للتغيير إلى طاقة مضافة لقوتها لإنجاز التحول من خلال شراكة واضحة تؤسس للقيمة والمبدأ، لأنها في هذه الحالة ستجعل من التغير الطبيعي قوة مضاعفة في بنية المجتمع، وهذا سوف يسند التغيير الإرادي الذي تؤسس له التسوية السياسية. • رئيس مركز الجزيرة للدراسات الاستراتيجية صنعاء