لم تتمكن منظمات المجتمع المدني في اليمن من إعادة صياغة دورها وعلاقتها مع الفاعلين المؤثرين في الحياة السياسية، فهي مازالت مرتبطة بمراكز القوى كما كانت قبل الانتفاضة الشبابية، وفي ظل التناقضات التي تولد من رحمها انقسامات حادة يتم توظيف المنظمات في اتجاهات متضادة رغم أنها تتحرك وهي تحمل أهدافا متشابهة، وكلما زادت حدة الصراع زادت هيمنة المتصارعين عليها وحولتها إلى أداة لإسناد وتزيين وتبرير مصالح الأقوياء، والمؤسف أن بعض مراكز الأبحاث تحولت إلى مجال لإنتاج البروباغندا. وكلما زاد نشاط المنظمات المدنية في ملحمة الصراع تشتت قوتها وأصبحت بيادق تأكل نفسها وهذا زادها ضعفا. ومع الوقت تفقد حيويتها ومصداقيتها رغم صوتها العالي، وضجيجها الإعلامي. فالارتباط بالمراكز الفعلية المؤثرة لم يمكنها من الالتزام بأهدافها، وأصبح دورها الأهم هو إعادة تفسير الصراع، وتوظيف الوقائع لإسناد أهداف القوى المتصارعة، ومع بروز تكوينات متعددة في أغلب ساحات الاعتصام، وتداخل بعضها مع المنظمات، وتناسل منظمات جديدة في كل اتجاه فقدت التكوينات المختلفة قدرتها على صنع الحرية والسلام، وأصبحت قوة منتجة للفوضى وخانقة لنفسها ومستقبلها. ففي خضم الصراع الذي يتحرك خارج التسوية السياسية، وفي عمقها فقدت أغلب المنظمات المدنية استقلاليتها وتتراكم المشاكل مع غياب الإحساس بالمسؤولية لدى القائمين عليها وانعدام الالتزام بالقيم والأخلاق المدنية في إدارة معاركها، وغادرت طبيعة عملها ووظائفها التي أنشئت من أجلها وانخرطت في فوضى التناقضات التي يبدو أنها تؤسس لحرب قد تنفجر في أي لحظة. إلى ذلك، من يتابع واقع المجتمع المدني وصراخهم المطالب بالتغيير يجد أن القوى المسيرة للمنظمات المدنية تتعامل مع القيم الجديدة بانتهازية فهي الشعار والهدف إلا أن الواقع ممتلئ بالتضليل، ومع غرور القيادات وارتهانها لمشاريع خاصة تتسع رقعة الصراعات داخل بنية المجتمع المدني الذي مازال جنينيا. وكل ذلك جعل القوى المدنية رغم التنظير الممل للقيم المدنية انعكاسا لنقائضها، ونموذجا معاديا للحرية، ورفض الآخر، وبيئة ملائمة لإنتاج الديكتاتورية.