استشعر التشكيليون والتشكيليات روحانيات فريضة الحج في أعمال فنية تسابقت عليها أرواحهم قبل ألوانهم، فنثروا الإبداع لونا وخطا في أعمال حتما ستؤرخ للفن التشكيلي السعودي، ولعل ارتباط التشكيليين بثوابتهم الدينية كان هو القاسم المشترك للعديد من الفنانين على الساحة التشكيلية، فظهرت رموز عديدة تدلل على ذلك الارتباط فلم تغب العناصر الدينية في أعمالهم، فترميز الكعبة إلى بياض الإحرام ومن خيام منى إلى الوقفة بعرفة كلها تجلت بلوحات مبدعة فنية لفنانين استشعروا كل القيم الإيمانية ليبرهنوا على أن الفن التشكيلي أرقى وأسمى أنواع الفنون. جسدوا التشكيليون والتشكيليات في لوحاتهم أيام التكبير وهي تنادي الله أكبر وأفواج الحجيج وهي تستعد لزيارة الديار المقدسة ورمزوا القلوب المشتاقة التي سبقت أذهانها أجسادها لرؤية بيت الله الحرام والطواف به والوقوف بعرفة وكأن التشكيليين يقولون هنيئا لمن ذاب قلبه اشتياقا لتلك الديار وهنيئا لمن عزم الذهاب لتطهير نفسه من الأدران وهنيئا ثم هنيئا لمن سيصل هناك ويحج بيت الله الحرام وهنيئا لمن هاجر إلى الله الرحمن الرحيم. ما أجملها من لوحات عانقت ألوان الفنانين مشاعر الإيمان وبينت لهفة وشوق المؤمن للبيت العتيق وفضل أيام الحج التي لن تتكرر فتجد في تلك الأعمال بياض الإحرام الذي غطى جبال مكة فلم تعد تشاهد إلا بياض البدور مشاهد إيمانية تشعرك بمكانة الإسلام. أمينة الناصر قدمت قرابة ال40 عملا فنيا إسلاميا خلال مشوارها الفني تناولت فيه المشاهد الدينية في المملكة مستخدمة ترميز الكعبة ومآذن المساجد بألوان أكثر نقاء وجمالا لتبرهن على استشعارها لتلك الفريضة التي تعلق بها كافة المسلمين من كافة انحاء العالم. أما الفنان التشكيلي محمد الشهري فجرد تلك الإيمانيات والروحانيات بأسلوب تجريدي تميز به عن غيره في طرحه لرموزه بتبسط فني أقرب إلى تجريد العناصر من أساسياتها الجمالية والاتجاه بها إلى مفهوم الرمزية الأكثر إيضاحا والأقرب لإيصال رسالة الفنان للمتلقي. فيما تناول الفنان فهد خليف بياض إحرام الحجيج بلوحات فنية جاور فيها بين الواقعية والتجريد ليبين من خلالها ذلك البياض الذي حوى مكة كاملة بياض الأنفس، بياض الأبدان، بياض الإحرام. أما الفنانة أمل فلمبان فقدمت لوحة تشكيلية للحرم المكي الشريف والطائفين حول الكعبة مرمزة لوحتها بمباني مكة الشاهقة التي تدلل على حضارة وتقدم المملكة العمراني في مشهد بانورامي جميل بعد إسقاطها لألوانها الزاهية التي أعطت بعدا فنيا للعمل دلل على وجد عمق ثقافي في لوحتها. وقدمت الفنانة لينا الهاشم مشهدا آخر لحجاج بيت الله وهم بجوار بيته العتيق يناجون ربهم مرمزة لوحتها بألوان الشفافية لتعطي بعدا فنيا للمتلقي بجماليات وأخلاقيات وسلوكيات الحجاج في أيام فضيلة. في لوحة الفنانة منى القصبي قدمت نموذجا للوحة تجريدية بخلفية واقعية وبأسلوب تقني عالي، حيث سيطر العمل بشكل عام على روحانية تلك الشعيرة وأهميتها في نفوس المسلمين، وذلك بتوزيعها للون الأبيض على كافة أرجاء اللوحة لتعطي المتلقي إحساسا بقدسية وجمال فريضة الحج حيث المناجاة والوقوف بين يدي الله والكل يستوي الفقير والغني في موقف واحد ويبتغون رضى الله والعفو عنهم، متأملين في قبول حجتهم وعودتهم إلى أوطانهم أن يرجعوا كما ولدتهم أمهاتهم.. إنها مشاهد بانورامية استطاع التشكيليون أن يجسدوها بحرفية وتقنية عالية لينقلوا من خلال الفن التشكيلي تلك الجماليات والروحانيات التي يتمتع بها الحجيج في الأراضي المقدسة ليقف الزمن ولتبقى ذكرى خالدة لكل من زار بيت الله الحرام.