استفزني أحد مقالات الكاتب الكبير الراحل أنيس منصور، حيث أخذت أقرأه عدة مرات، ولكن دون أن أفهم شيئا منه، وفى كل مرة حاولت أن أجد سببا لعدم فهمي لهذا المقال ولم أصل لنتيجة! وانتهى الأمر بتركه ونسيت الأمر.. ومرة أخرى برز المقال أمامي، فأخذت أقرأه فوجدتني مستمتعة بالمقال وسهولة الأسلوب مع عمق الكلمات. وعلى الفور، استرجعت ما حدث لي، وأدركت بشكل مباشر أن ذهني آنذاك كان مزدحما بالعديد من الأشياء، والتي لم تترك مساحة كافية لاستيعاب الكلمات التي تقع عليها عيني، وهذا عكس الحال التي قرأت فيها المقال بعد فترة من الزمن، حيث كان ذهني أكثر صفاء. وهنا تعجبت من قدرة ذلك العضو المحمول على الأعناق داخل الرأس والمدعو (العقل) في الهيمنة على كل أفعال الإنسان. العقل الذي مكن الإنسان من الوقوف أمام الديناصورات ويشاهدها وهى تندثر ويؤرخ لها، ومكنه أيضا من الارتحال من كوكبه لاستكشاف ما يحيط به في الفضاء الواسع، وبالتالي جعل الإنسان يعيش واقعه ويتعامل معه، وكذلك أطلق له عنان الخيال ويعمل على جعله واقعا ملموسا. وبالتالي، وجود العقل متيقظا هو طاقة هائلة وخموله أو تخديره يجعل الإنسان غير موجود. وتخدير العقل يكون بطرق متعددة، ولكن أخطرها هي الهيمنة والسيطرة على عقل آخر، وهو ما يسمى بعملية غسيل المخ. وتتم هذه العملية بدون استخدام أي مساحيق غسيل، ولكن أفعالها تنشر على حبال العلاقات الإنسانية. واعتقد أن السبيل لوقف هذه العملية هو المعرفة لأن الجسد السليم بعقل مخدر هو ميت!.