منذ قرون حاول عباس بن فرناس الطيران بفكر ووسائل ذلك الزمن، لينتهي الأمر عند تلك المحاولة. طار العالم كله ونحن مازلنا نلقن الأجيال بسذاجة أننا أول من حاول الطيران دون انتباه إلى أن سبق عباس بن فرناس مذمة لنا وليس مدعاة للفخر لأننا لم نتقدم بعده خطوة.. صنعوا الطائرات التي تطوف أجواء العالم ونحن لم نصنع حتى سيارة أو دراجة، فقط نشتري منهم. انطلقوا إلى الفضاء قبل عقود ووصلوا إلى المجرات، هبطوا على القمر ثم المريخ ودرسوا جيولوجيا الكواكب بعد تمحيص كل ما في كوكب الأرض، وبعضنا ما زال يستغفر الله حين يسمع هذه المعلومات لأنه لا يصدقها.. قبل فترة قريبة كانت الكبسولة كريوسيتي تهبط على المريخ في رحلة فريدة في تقنيتها وأهدافها، بينما بني يعرب تتسابق أصابعهم على أزرار الكيبورد إشادة وإعجابا بهذا الإنجاز لا أكثر، دون أن ننسى أن البعض وصف الرحلة بالعبث حين عرف تكاليفها لأنه لا يدرك أن العبث غير موجود في قاموسهم وأدبيات حياتهم.. قبل البارحة تسمر العالم كله أمام الشاشات لمتابعة المغامر فيليكس وهو يهبط من خارج الغلاف الجوي بسرعة هائلة على الأرض، وكالعادة ملأنا شبكة الإنترنت بالتعليقات على الحدث، إعجابا بالمغامرة وصاحبها وحسرة على حالنا. ومرة أخرى قال البعض عن المغامرة إنها محض جنون وتهور، رغم أن فريقا علميا مؤسسيا عالي الخبرة أشرف عليها وسخر لها أدق وأحدث ما وصلت إليه تقنيات علوم الفضاء.. الجنون الحقيقي لو سولت لأحد نفسه القيام بمثل هذه المغامرة في عالمنا العربي البائس لأنه سيموت كمدا قبل أن ينفذها. تصوروا كم من السخرية سيواجهها من المجتمع، وكم من التعقيد سيصطدم به لو أصر على تنفيذ الفكرة.. أتخيل أن معاملة ترخيص قيامه بالقفزة الفضائية ستمر على كل الوزارات، وستعقد عشرات اللجان من أجلها، لينتهي في المحكمة التي ستصمه باضطراب قواه العقلية وضرورة إحالته إلى مصحة نفسية.. أما لو توفرت الإمكانات العلمية، وتيسر له تصريح القفزة فإنه لابد أن يوقع غصبا عنه عشرات العقود من الباطن بعد توقيعه إقرارا أن ما يقوم به هو مسؤوليته لوحده. وفيما لو قفز ووصل الأرض فعليه ألا يطالب بمنحها له كذكرى لإنجازه على الأقل لأنه سيجد عشرين صكا عليها، وفي النهاية لن يكرم كمبدع بل ربما يطالب البعض بمعاقبته كمبتدع.. الابتكار وخرق المألوف وتجاوز السائد أمور تحتاج إلى بيئة خلاقة وليس بيئة خناقة.. للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 259 مسافة ثم الرسالة [email protected]