خذوا هذا السؤال الذي مر علينا كثيراً منذ طفولتنا: ما لون الماء؟ ببراءة الأطفال أجبنا: أزرق. ولِمَ لا؟ نحن نرى الماء أزرق في صور البحار والخرائط وعلى التلفاز؛ فلا عجب أن تكون هذه الإجابة البديهية. بعدها يأتينا الجواب «الحقيقي» مشوباً ببعض الشماتة: لا! الماء لا لون له! إننا نظن الماء أزرق، لكن الحقيقة أنه شفاف، وزرقة المحيطات خدعة بصرية، تأتي من انعكاس لون السماء! حينها نصدق هذه المعلومة ونصحح هذا المفهوم. لكن حتى هذه خاطئة! نعم، في الحقيقة أن لون الماء أزرق، وإجابات الأطفال صحيحة لا غبار عليها، والعلم يؤيدهم في ذلك! من يمشون في الطبيعة المثلجة سيلاحظون هذا؛ فلو اطلعتم على حفرة ثلجية صغيرة مليئة بالماء - مثلاً في القطب الجنوبي - فسترون الماء أزرق، ومن يصنع حوض سباحة أبيض شديد الضخامة شديد العمق فسيرى أن لون الماء أزرق. صحيح أن الزرقة الطبيعية في الماء خفيفة جداً، لكنها زرقاء قطعاً. انعكاس لون السماء على البحر يلعب دوراً في صبغ سطحه بالأزرق، ولهذا لا يكون البحر بالزرقة نفسها فيما لو غيّمت السماء وزالت زرقتها، ولكن ليس لون الماء كله يأتي من فوق بل حتى من أسفل، فكلما زاد الماء تكدراً انعكس هذا على لونه، فمثلاً تمتلئ بعض الأجسام المائية بالطحالب والنباتات، وهذا يؤثر في لون الماء للرائي؛ ولهذا يكون لون البحر الأبيض المتوسط أحياناً أخضر ولو عَلَته سماء بالغة الزرقة. لا تستغربوا من انتشار هذه الأخطاء، فلو سألنا سؤالاً آخر وقلنا: ما لون المريخ؟ فأكثر الإجابات ستقول: إنه أحمر. وهذه فيها نسبة من الصحة، حتى أنه لُقِّبَ بالكوكب الأحمر، لكن هذا اللون يأتي من الغبار الذي يغلف سطحه. أما تربة الأرض نفسها فلها ألوان أخرى، وما حيَّرَنا أن المركبة الفضائية «فايكينغ» وصلت للمريخ في السبعينيات من القرن الماضي، والتقطت بعض الصور، لكنها كانت بالأبيض والأسود، ولما عالجوها أتت مرحلة الفلترة، وفيها يختارون طبقات الألوان، وهذه صعبة ودقيقة، وزادها صعوبة أنه لا أحد يعرف ألوان المريخ فعلاً، ولهذا كانت تلك الصور تُظهر لون الكوكب على أنه أحمر بعد أن عملوا بظنهم في تلوين الصور، ولكن بعد ثلاثة عقود قامت وكالة الفضاء الأمريكية بتصحيح هذا، وقالت إن لون المريخ ليس أحمر، وإنما أقرب للون الكاراميل، أي مزيج خفيف من الذهبي والأصفر والبني الفاتح. إلى أن أتت مركبة مريخية أخرى مؤخراً وأظهرت أن سطح المريخ أقرب لخليط من الأخضر والبني مع حجارة زرقاء رصاصية! يبدو أننا لن نعرف لون المريخ إلا لو هبطنا علي. لكن قد نكون أكثر ثقة في لون شيء آخر، وهو ليس شيئاً بل هو كل شيء: الكون! أتصدّقون أن للكون لوناً؟ المقصود هو اللون الغالب عليه، وهو ليس لون الفضاء المعروف أي السواد مع نجوم فضية مضيئة، ذلك أن بعض العلماء درسوا صوراً لمائتي ألف مجرة، وقالوا إنهم عرفوا لون الكون: أخضر فاتح. بعدها بقليل قالوا إنهم أخطؤوا، وإن اللون الحقيقي رمادي. أما الآن فوصلنا للإجابة الرسمية: يقولون إن لون الكون بيج! هذه التي استقروا عليها الآن، والله أعلم، فربما يغيرونها لاحقاً، فالعلم كثير خطؤه!