إن المخاضات والإرهاصات الشاقة التي تمر بها اليمن حاليا، وفي مستويات عالية الأهمية أمنيا، واقتصاديا، وسياسيا، واجتماعيا؛ تعد آلاما في طريق صناعة مستقبل مختلف يحاول اليمنيون فيه أن يكونوا أكثر إيمانا بقدراتهم المهدورة وإمكانياتهم الضائعة، وأن يقفوا وجها لوجه أمام كل التشوهات التي اعترت مسيرتهم السياسية على مدى خمسة عقود ماضية، وما أفرزته من تشرذم وشقاق ومشاريع صغيرة، وحروب طاحنة، وفساد مستشر. والأدهى أن تظهر ثقافة التفاصيل الصغيرة لكل جماعة اأو فئة أو حزب سياسي بعيدا عن مشروع الدولة التي ينبغي أن يكون نجاحها وترسيخها محل إجماع مختلف القوى والتيارات المتباينة سياسيا وفكريا؛ ذلك أن الدولة هي الحاضنة الطبيعية لمختلف التوجهات، وهي التي ستحمي التنوع في سياقاته السلمية والمدنية. بعيدا عن التشبث بلغة العنف والإقصاء والهيمنة؛ لان هذه لغة تم تجريبها وفشلت في تحقيق أهدافها مهما امتلكت هذه الأهداف والرؤى من العقلانية والوضوح والقبول لدى الناس. نستطيع أن نعد ما يطفو على السطح من اختلافات ظاهرة صحية في مرحلة الشفافية والمكاشفة الوطنية لكن ليس مطلوبا منها أن تتحول إلى جراح دامية في خاصرة الوطن، والمستقبل اليمني واعد بلملمة جراحاته ضمن سياسة الوفاق الوطني التي ينبغي أن تكون هي بوصلة المرحلة، وهي الطريق الآمنة الوحيدة أمام اليمنيين لتحقيق تطلعاتهم. إن الأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني هي من يتم التعويل عليه في تحقيق درجة كافية من المدنية الآمنة، وأن تتفق على صياغة مشاريع المستقبل بروح وطنية تتجاوز ثقافة الماضي القائمة على الثأر والإقصاء، ونسف التراكمات الإيجابية إن وجدت في حياة اليمنيين .. الذين بدأت خطواتهم أكثر ثقة وفاعلية في إطار تحقيق مشروع الدولة المدنية الحديثة.