مثلت انتصارات الجيش اليمني على القاعدة في أبين بارقة أمل في إمكانية استئصال هذا الورم الخبيث من الأرض اليمنية الذي ظلم وأفسد وأزهق الأرواح البريئة ، وعطل التنمية واستنزف الموارد، وشكل جرحا غائرا في خاصرة مدينة أبين على مدى أكثر من عام. وتأتي هذه الانتصارات تأسيسا لمرحلة سياسية جديدة جعلت من جدية القضاء على الإرهاب أولوية من أولوياتها وسخرت لكل ذلك الجهود والإمكانيات ، بعيدا عن التكتيك السياسي الذي يخلط الأوراق ، ويعمق المشاكل ، ويعيد انتاج الأزمات... ساهم في تحقيق كل ذلك السلطة والمعارضة في المرحلة السابقة لعدم جدية الأولى ولعدم اعتراف الثانية بوجود هذه المشكلة كأمر واقع ومتحقق على الأرض ، وإدخالها في حمى المناكفات السياسية ، بل ان بعض الأحزاب لم تحدد حتى الآن موقفها الفكري والسياسي من القاعدة بشكل كاف يصل إلى كل الناس . ان المرحلة الجديدة تتطلب إغلاق كثير من الملفات الساخنة وفي مقدمتها الإرهاب على الأرض والبشر الذي هو خارج ثقافة اليمنيين وأخلاقياتهم والبدء في جمع الاطراف السياسية في حوار جدي تضع بموجبه السلاح جانبا وتدخل في عمل سياسي مدني لا يؤصل للعنف ولايبرره. ينبغي أن تكون الانتصارات المتحققة في محافظة أبين مؤشرا يفهم منه جميع المنضويين في إطار العنف ان الدولة جادة في بسط سيادتها وهيبتها على الجميع ، لترتفع بموجب ذلك معنويات اليمنيين الذي فقدوا تواجد الدولة عقودا طويلة ، وظلت الأمور تسير كيفما اتفق.. ولن تتعزز قدرات الدولة اليمنية في مكافحة الإرهاب الا بربط ذلك بحل الإشكاليات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية التي تعتبر حاضنة أساسية للإرهاب بمختلف صوره، ودراسة أوضاع الشباب الملتحقين بهذه الجماعات ووضع رؤية وطنية لكيفية معالجة منابع التطرف الديني والفكري ، وحل مشاكل الفقر والبطالة ومحاربة الفساد. انها منظومة متكاملة تمثل تحديا أخلاقيا وسياسيا أمام دولة تحاول ترسيخ اقدامها على الأرض ، وتطهيرها من العنف والإرهاب والأزمات المختلفة التي هي إما نتاج الواقع أو ثمرة الفذلكات السياسية.