تتابعت ردود الأفعال في أعقاب مقتل الطفلة تالا الشهري على يد خادمتها.. وعبرت عاملات في مختلف القطاعات عن مخاوفهن من معاودة السيناريو المخيف، وبدأن فعليا في إعادة النظر في التعاطي مع ملف الخادمات والعاملات المنزليات، وزادت مطالبهن بضرورة توفير حضانات ومراكز إيواء في مقار العمل حتى تشعر الأم بالأمان والاطمئنان على أطفالها. وذكرت استشاري الأطفال والغدد الصماء والسكري الدكتورة رحمة الشمراني أن حادثة الطفلة تالا الشهري التي قتلتها الخادمة جاءت كالخنجر في قلب كل امرأة عاملة، فالحادثة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في ظل الاحتياج المتزايد للخادمة المنزلية ونتج هذا الواقع من ازدياد أعداد النساء العاملات في البلاد. وتستطرد الشمراني «لكم أن تتخيلوا المعاناة والألم النفسي للمرأة التي تخرج يوميا للعمل (6 إلى 8 ساعات) حيث تترك أطفالها في رعاية الخادمة مع تساؤلات طوال اليوم ماذا يحدث لهم في غيابها». هذا ينعكس سلبيا على نفسيتها وإنتاجها في مجال عملهما سواء أكانت طبيبة أو معلمة أو في أي مجال آخر، فكيف للمرأة أن تساعد في بناء المجتمع في ظل عدم استقرارها النفسي الناتج من عدم اطمئنانها على سلامة أطفالها. فأبسط حقوق المرأة العاملة هو وجود حضانة في المنشأة التي تعمل بها لضمان سلامة وحماية أطفالها. بطش الخادمات الممرضة سحر زكي تتفق مع الرأي السابق وتضيف «نحن كممرضات وعاملات في القطاع الصحي نخدم ونرعى المرضى بكل إخلاص وجهد لنوصل أجود طرق الرعاية، ولكن كيف نصل لذروة رعايتنا وقلوبنا وراحتنا النفسية متبددة ومزعزعة بسبب بعدنا عن أطفالنا وهم في أمس الحاجة لوجودنا بالقرب منهم. الفاجعة الأخيرة التي أصابت تالا وانتزعت براءتها وحياتها كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، وتتساءل سحر: إلى متى ستلتهم أيادي بطش الخادمات فلذات أكبادنا ونحن صامتون مضطرون ومجبرون على وجودهن، نخرج يوميا للعمل لاثنتي عشرة ساعة وأكثر .. وقد استودعنا صغارنا لغيرنا؟. تقول تغريد عيوني (ممرضة): عملنا يتطلب عدم استخدام الجوالات لساعة طويلة لتأثيرها على أجهزة المرضى ما يحول بين اطمئناني أنا شخصيا على حال طفلتي البالغة من العمر عامين بعد أن تركتها مع الخادمة، ما يجعلني في قلق دائم ولو حدث أمر طارئ لها لن أستطيع الوصول إليها بسهولة لبعد المسافة بين مقر عملي ومنزلي. من جهتها، قالت المعلمة بسمة الحربي: تخرج المعلمة من بيتها تاركة أعز ما تملك في يد غير أمينة، ثم يأتي من يطالبها بالإتقان في العمل والجودة وحضور الذهن والروح المعنوية العالية. للمعلمات كلمة تضيف أمل الجهني: تعرض ابني الكبير لكسر مضاعف وهو لم يتجاوز أربع سنوات بسبب الخادمة ما أثر على نفسيتي ونفسيته لسنوات، ورغم ذلك وبسبب عملي كمعلمة أضطر يوميا ترك ابنتي الصغيرة عند الخادمة، لذلك أطالب المسؤولين بإلحاق حضانة لكل مدرسة مراعاة لنفسياتنا وحفاظا على أرواح أبنائنا. وتطالب كل من المعلمة مهما مزاحم وهدى صالح ورابعة عركوك بقولهن: نحن معلمات ومربيات أجيال والمهنة توجب علينا التحدث باسم كل أم عاملة ونطالب بحفظ حقوقنا وحقوق أطفالنا بفتح حضانات في كل الدوائر. آخر إنذار فريدة فارسي رئيسة مجلس إدارة مدارس الحمراء تتحدث في جانب آخر وتقول إن من أهم حقوق المرأة العاملة أن تطمئن على أبنائها، وأي مكان تعمل فيه النساء عليه تأمين حضانة قريبة تستطيع الأم خلال فترة راحتها رؤية طفلها والاطمئنان عليهم، بدلا عن تركهم عند خادمة لا تعلم عنها شيئا وقد تكون مريضة نفسيا، ولكي يحصل الطفل على العناية الكاملة والراحة التامة لا بد من دفع مبلغ مادي كي تستطيع الحضانة توفير الأيدي العاملة المدربة التي تشعر الأم بالراحة النفسية أثناء فترة عملها وينعكس ذلك إيجابيا على أدائها الوظيفي وصحة الأبناء نفسيا وصحيا. وترى المستشارة الاجتماعية نورة آل الشيخ، مديرة الإشراف الاجتماعي النسائي في منطقة مكةالمكرمة، أنه من المفترض وجود الحضانات منذ وجدت الوظائف للمرأة العاملة، خاصة في مواقع العمل التي تتطلب مناوبات ومبيتا مثل القطاع الصحي والاجتماعي، لأن ترك الأطفال مع الخادمات فيه هدر للطفولة وتعريض أكبر للخطر، وقصة (تالة الشهري) هي آخر إنذار يوجه للجهات المسؤولة لضرورة إنشاء الحضانات، فهو أمر حتمي لضرورة حماية أرواح أبنائنا وتوفير مقدار عالٍ من الراحة النفسية للمرأة العاملة، لأنه عندما يكون طفل رضيع في يد خادمة والأم في العمل ثماني ساعات لن تكون نفسيتها هادئة ومستقرة كما لو كان الطفل في يد حضانة موثوق فيها قريبة من عملها، كما أنه في إنشاء هذه الحضانات توفير فرص عمل للشابات السعوديات. حضانات في المدارس في المقابل، أكد مدير الشؤون الصحية في جدة دكتور سامي باداود أن مشروع الحضانات فكرة منفذة على أرض الواقع منذ سنوات وليست جديدة علينا، وقد تم تطبيق الفكرة في مستشفيي الملك فهد والملك عبدالعزيز حيث توجد حاضنات لأطفال العاملات سواء طبيبات أو ممرضات تحت إشراف فريق عمل في داخل المستشفى تضع العاملة طفلها وتأخذه في آخر دوامها.. وفي حال تلقي مزيد من الطلبات على إنشاء حضانات لأطفال الموظفات في مقر العمل، فليس هناك مانع من التوجه لافتتاح المزيد من حضانات الأطفال في مختلف القطاعات الصحية لتحقيق الارتياح النفسي للموظفة. وباتصال «عكاظ» على المتحدث الإعلامي في وزارة التربية والتعليم محمد الدخيني أشار إلى أن الوزارة بصدد إرسال تعميم إلى كافة الوسائل الإعلامية بخصوص التوجه نحو إنشاء حضانات لأبناء العاملات.