قدرت مصادر ل«عكاظ» حجم القضايا العقارية المنظورة أمام المحاكم العامة والجزئية والإدارية بنحو 14-15 مليار ريال في دعاوى تتعلق بعقارات ومخططات موقوفة ومتنازع عليها وقضايا إخلاء عقارات وإيجارات وقضايا طعن في تثمين عقارات فضلا عن قضايا على أصحاب مخططات موقوفة منذ مدد متفاوتة تقارب ال 30 عاما فضلا عن قضايا طلبات التعويض، وقالت المصادر إن جدة تحتل المرتبة الأولى في حجم القضايا العقارية بنحو 6 مليارات تليها مكةالمكرمة ثم الرياض. وأبانت المصادر أن 3 مخططات كبيرة في جدة مازالت موقوفة بأمر قضائي منذ 20 عاما ولا تزال تنتظر تحركا من الجهة المختصة، وقدرت قيمتها الحالية بأكثر من ثلاثة ونصف المليار إضافة إلى مواقع متعددة صدرت فيها أوامر قضائية إلى كتابات العدل بعدم التصرف فيها إلى حين البت فيها على الوجه الشرعي. وقالت المصادر أن المحاكم العامة تنظر قضايا المخططات الموقوفة ودعاوى الإيجارات والإخلاء والصكوك المزدوجة وتداخل العقارات، فيما تنظر المحاكم الإدارية (ديوان المظالم) قضايا الطعن في تثمين عقارات منزوعة من وزارات أبرزها النقل والبلديات ووزارة المياه والكهرباء وعدد من الأمانات وهيئة الطيران المدني ولجنة الساحات الشمالية المختصة بتوسعة الحرم المكي، ويطالب المدعون في دعواهم تطبيق نظام نزع ملكية العقار للمنفعة العامة ووضع اليد المؤقت على العقار وهو ما يقود إلى التعويض النقدي عن الأراضي المنتزعة وفق القيمة الحالية وليس بقيمتها وقت النزاع، وتبرز في جدة حاليا قضايا التعويض عن أراضي مطار الملك عبدالعزيز وقضايا الطعن على تثمين عقارات منزوعة لصالح مشروع قطار الحرمين، وقالت المصادر: إن نحو 45 في المائة من القضايا العقارية المنظورة أمام المحاكم العامة والجزئية هي دعاوى طلبات إخلاء وإيجارات متأخرة، وقدرت حجم المبالغ في الدعاوى العقارية في المحاكم العامة والجزئية خلال العام الحالي بنحو 6 مليارات ريال، وعلق مصدر قضائي مختص بقوله: «نتطلع إلى إقرار العقد الموحد الذي يلزم جميع الأطراف بتنفيذ بنوده، ويصبح الحكم فيه قضائيا من قبل قاضي التنفيذ من جلسة واحدة وهذه الخطوة المنتظرة في المرحلة المقبلة للحد من الدعاوى المتعلقة بإخلاء العقارات وإيجاراتها التي باتت سيلا ينهمر ومؤشرا خطيرا على مصداقية سوق العقار والثقة». التعديات مصطلح ارتبط بالأراضي، وحب الإنسان لها، وحرصه على تملكها، وسعيه إلى التهام المزيد منها، وإن انتهج في سبيل ذلك ما يوقعه في دائرة الخطأ، ومخالفة الأنظمة والقوانين، والتعدي على ممتلكات الغير، وأملاك الدولة تحت عناوين مغلوطة تنطلق في الظاهر من قاعدة تعرف ب «الإحياء الشرعي» فيما تفتقر الدعوى للحد الأدنى من متطلبات الإحياء، هكذا ينظر قانونيون للقضية التي وصلت حد الظاهرة، فيما المدعون يؤكدون على أن حقهم ثابت في الأرض، ويرى كثير منهم أن لا أطماع لديهم، ولا رغبة في دخول نادي الهوامير، وهمهم الوحيد تأمين قطعة أرض صغيرة يقيمون عليها حلمهم في توفير مسكن يأوي أبنائهم، ويقيهم شر الإيجار الذي مزق جيوبهم وأدخلهم أنفاق الدين والفاقة. شاعت قضايا وضع اليد على أراضي الغير، وانتشرت في كثير من المدن، واكتظت أروقة القضاة ومكاتب المحامين بأوراقها ومستنداتها وحيثياتها، فيما الجوانب الإجرائية للتصدي لها وإيقاف انتشارها وزحفها يتطور يوما بعد آخر، حتى وصل الإجراء إلى حد تشكيل جهاز خاص مكون في كل محافظة بما يعرف ب « لجنة مراقبة الأراضي الحكومية وإزالة التعديات»، مهمته المحافظة على الأراضي الحكومية وإزالة التعديات عليها، وتضم عضوا من الإمارة أو المحافظة أو المركز، وعضوا من فرع وزارة الزراعة، وعضوا من الأمانة أو البلدية، وعضوا من فرع وزارة المالية في المناطق والمحافظات التي يوجد فيها فروع لوزارة المالية، وتشتمل مهامهم على مراقبة الأراضي الحكومية داخل المدينة أو خارجها، وذلك لمنع التعدي عليها ولها إيقاف من يعمل دون رخصة تخول له حق العمل وذلك من خلال القيام بجولات مفاجئة غير مجدولة على الأراضي الحكومية، والوقوف على المواقع التي يبلغ بوجود تعديات عليها أو إحداثات فيها، والرجوع إلى المصورات الجوية لمعرفة المتغيرات التي طرأت على الأراضي وتحديد تاريخها، وتنفيذ أعمال الإزالة، أو الإشراف على التنفيذ والتأكد من عدم التجاوز فيه بعد صدور قرار الإزالة. وفي هذا الإطار اطلعت «عكاظ» على قضايا سابقة سجلت في محكمة جدة بشأن أراض باعتها عين العزيزية ثم منحتها الأمانة لمواطنين، وبالعكس بشأن أراض منحتها الأمانة لمواطنين ثم باعتها العين العزيزية مما أوجد قضايا تعديات، وصدرت بموجب تلك القضايا أحكاما على العين العزيزية وعلى أمانة جدة بالتعويض. ومن مواقع التعديات على أراضي العين العزيزية مواقع تقع شرق وجنوب جدة وعدد من الأحياء الواقعة بمحاذاة طريق جدة - مكة القديم الذي يعتبر أحد أهم شرايين أراضي العين العزيزية، وبعض تلك الدعاوى لازالت منظورة أمام القضاء. وتقول مصادر مطلعة أن المحاكم وكتابة العدل كشفت عن تعرض عدد من الصكوك لعمليات نقل وغسل وأن بعض الصكوك تبين أنه ليس لها أساس في السجلات، وأن البعض منها قديم، اعتمد على تقادم الملكيات دون ضبط الصكوك في السجلات، وأخرى تم تداولها بالإفراغ في كتابات عدل خارج جدة، وتم ذلك بهدف الحصول على ملكيات غير صحيحة أو طلب تعويضات من الدولة، منها صك مزور قدم للحصول على تعويض بمليار ومائتي مليون ريال بحجة نزعه للمصلحة العامة، وأكدت المصادر أن جميع تلك القضايا تدرس، وصدرت أحكام بالتحفظ على بعض تلك المساحات وعدم السماح بإفراغها، ورفع بعضها لمحاكم (الاستئناف) لإجراء الوجه الشرعي عليها، وحذر رئيس لجنة التعديات في جدة المهندس سمير با صبرين من شراء العقارات التي بدون صكوك حيث يعمد بعض التجار إلى بيع عقارات بالوثائق؛ وهي في الأغلب تكون من العقارات المتعدي عليها، وتنص وثيقة البيع على حماية المشتري من أي شخص عدا الدولة وصاحب الصك متى ظهر ووصف تلك الطرق بأنها تحايل وطرق غير صحيحة وغير نظامية تحمل صاحبها الخطأ وتتسبب في هدر ماله ووصف تلك الطرق بأنها تغرير بالضحية وقال: إن ما يقوم به باعة العقارات بالوثائق بأنه إقرار ضمني بعدم مشروعية تملك تلك العقارات، وبين المهندس باصبرين أن اللجنة عادة تنذر الموقع المخالف 3 إنذارات خلال ثلاث مرات متباعدة قبل إزالة الموقع المخالف، وحذر المهندس باصبرين من صكوك الخصومة الصادرة من المحاكم الشرعية والتي يعمد البعض إلى محاولة تحويلها إلى صكوك تملك أو مواجهة لجان التعديات بها وهي صكوك لاتقوم محل صكوك التملك. وأكدت هيئة الرقابة والتحقيق على أهمية تكرار التأكيد على منع التعديات بشكل قاطع ومواجهتها، وتكليف إمارات المناطق بتعيين اللجان اللازمة ودعمها وتجهيزها بالإمكانات الكفيلة بإزالة الاعتداءات ومنع وقوعها. وأظهرت دراسة أنهاها المجلس الأعلى للقضاء كأول دراسة تحليلية لرصد حجم الشكاوى التي يتلقاها المجلس أن نسبة التشكي من قضايا حجج الاستحكام احتلت المرتبة الأولى بنسبة 33 %، يليها في المرتبة الثانية القضايا الحقوقية العامة بنسبة 27 %. ويصف عضو هيئة التحقيق والإدعاء والعام سابقا، المحامي والمستشار القانوني صالح مسفر الغامدي ظاهرة التعديات على الأراضي الحكومية بالمعقدة، وتحتاج إلى تضافر جهود كافة القطاعات المعنية، وتكثيف التنسيق لتمكين لجنة مراقبة الأراضي الحكومية وإزالة التعديات من أداء مهامها والاضطلاع بمسؤولياتها على الوجه الأكمل. وأضاف: لا شك أن نظام مراقبة الأراضي الحكومية وإزالة التعديات أحاط بكثير من حيثيات المشكلة، واجتهد في توصيف مهام أعضاء لجان التعديات، وتحديد الآليات الخاصة بالتنفيذ، والواقع يشير إلى نجاحات مهمة تحققت في هذا الجانب، ففي جدة وحدها على سبيل المثال تمكنت لجنة التعديات – كما تؤكد - من استرجاع ملايين الأمتار من الأراضي الحكومية، التي تم التعدي عليها في أوقات سابقة، بعضها كان معدا للبيع كمخططات سكنية، ولا أشك أن نجاحا مثل هذا قد تحقق في مناطق ومحافظات أخرى. ومع هذا يرى الغامدي أن القضاء على الظاهرة بشكل نهائي يحتاج إلى مزيد من الوقت والعمل، مضيفا: أقترح مزيدا من الإجراءات والعقوبات حتى نطمئن إلى أن ظاهرة التعدي على الأراضي الحكومية بما تمثله من آثار سلبية على التنمية قد وضعت أوزارها، وامتثل الجميع للنظام. في الضفة الأخرى المقابلة لجهود لجان التعديات لازال هناك من يصر على خرق النظام، وممارسة مزيد من الخروقات في اتجاه الاستيلاء على أراض حكومية محمية بموجب النظام، ولا يتورعون للأسف الشديد عن سلوك أي طريق مهما بلغ حجم التوائه وصولا إلى أهدافه غير المشروعة. وقدر عبدالله الأحمري الخبير العقاري ورئيس لجنة التثمين العقاري والمزادات العقارية في جدة حجم المبالغ المهدرة والمفقودة بسبب التعديات بنحو 15 مليار ريال بسبب الصكوك المتداخلة في التعدي على الأراضي البيضاء في مناطق المملكة تحت مسميات حجج الاستحكام والتعدي على أراضي الدولة والممتلكات الخاصة، وطالب بمنع حجج الاستحكام للمساحات الشاسعة والكبيرة كونها لا تعدوا عن تجارة مطالبا بأن تكون تلك المساحات الكبيرة تحت المجهر. وحذر الأحمري المواطنين ممن يندفع إلى شراء عقارات بأسعار زهيدة كونها في مواقع تعديات، حيث يبيع هؤلاء الوهم للمواطنين البسطاء ببيعهم أراضي بمبالغ زهيدة، وذلك عبر وثائق لا تعني الملكية، ويضعون في المبايعة شرطا واضحا وصريحا أنهم يحمون المشتري من كل معتدي ما عدا الدولة أو صاحب الصك الشرعي، مستغلين الثقافة المتواضعة للبعض وحاجتهم إلى تملك أراضي لإقامة أبسط المساكن لهم ولأبنائهم، مما يزيد العبء على الدولة في مواجهة التعديات على أراضي الدولة فضلا عن البناء العشوائي. ويقول المدعي العام سابقا والمحامي والمستشار القانوني سعد بن مسفر المالكي: إن التحايل على الأنظمة والقوانين لا زال سلعة رائجة لدى كثيرين من محترفي الكسب بطرق غير نظامية، فمنهم على سبيل المثال من يدعي ملكية أرض أو عقار ما بالاتفاق مع مدع آخر على نفس الملك، بغية تضليل الجهات المعنية، ويحضر الطرفان شهودهما ممن يمكن شراء ذممهم، وما بحوزتهم من وثائق، ويدعي كل منهما على الآخر، ثم يقبلان ضمن اتفاق وهمي بتسوية النزاع بينهما بالتراضي في إطار صفقة على الورق فقط تنص على أن يقبل أحد الطرفين مبلغا من المال مقابل تنازله عن دعواه، على أن يحصل الطرف الثاني على العقار مقرونا بصك شرعي تصدره المحكمة، وبذلك يتملك العقار نظاما ومن ثم يتقاسمه هو والمدعي الأول على حين خديعة للقانون والنظام. فيما ملكية الأرض أو العقار في حقيقة الأمر لا تعود لأي منهما، فإما أن تكون متروكة أو عائدة للدولة، وهذا ما دفع المحاكم درءا لهذا التحايل عندما تنظر في دعاوى عقارات متنازع عليها ولا يوجد عليها صك شرعي تصدر صكا في نهاية الحكم يتضمن عبارة «صدر هذا الصك لإنهاء الخصومة بين المدعين وليس لإثبات التملك وأفهمت الأطراف بأن هذا الصك لا يستفاد منه كصك تملك ولا يكون مستندا في التملك أمام الجهات المختصة». ويؤكد المحامي المالكي أن تحديث الأنظمة والقوانين والعقوبات يجب أن يتم بشكل دوري تبعا لتطور آليات النصب والاحتيال، وتبعا لما يحدثه هوامير الكسب غير المشروع على الأرض. وتأكيدا لما ذهب إليه المحامي سعد المالكي فإن كثيرا من صكوك الخصومة وفق مصادر قضائية صدرت في فترات متباعدة واستخدمت لتحقيق مصالح غير مشروعة، وللتحايل على مواطنين وبيعهم عقارات دون إفراغ مع تقديم عرض للمالك الجديد بمنحهم وكالات شرعية ثم يستخدمونها لاحقا في طلب جديد.