عند مرورك من أمام شارع أم القرى، وتحديدا أسفل جسر المنصور، يلفت نظرك تكدس أعداد كبيرة من مختلف الجنسيات، رجال في مختلف الأعمار ونساء بأطفالهم، جميعهم استباح المكان، وحولوه إلى مسكن، يمارسون فيه حياتهم الطبيعية، ينامون ويأكلون، وفي الأمسيات يلعب الرجال الورق والضمنة، والنساء يجلسن في حلقات يتسامرن، وأطفالهم حولهم يلعبون، هكذا برنامجهم اليومي، منذ أن جاءوا إلى المكان، فمعظم مخالفي نظام الإقامة، جاءوا إلى المملكة لأداء مناسك العمرة والزيارة منذ سنوات، وفي ذلك المكان الذي يمكثون فيه ينتظرون الجهات المختصة لترحيلهم إلى بلادهم بالمجان.. «عكاظ» زارت المكان ورصدت سير حياتهم اليومي، والتقت عددا منهم، وبمواطني المنطقة، ووقفت على رأي الجهات المختصة. وقفنا في المكان، وبالرغم من أننا في الهواء الطلق وتحت جسر شارع المنصور، إلا أننا لم نشعر بذلك، فقد شعرنا جميعنا وكأننا في داخل حديقة عامة مزدحمة بالزوار وهم يقضون أجمل أوقاتهم، فمجموعات منهم يلعبون الورق وأخرى تلعب الضمنة، وآخرون يجتمعون في حلقة دائرية يتسامرون وتتعالى أصواتهم بالضحك، لن تفهم شيئا فكل اللغات تسمعها في ذلك المكان إلا العربية، إلا أن تلك الضحكات ستعلمك أنهم في سعادة ومرح واطمئنان، حتى النساء تتعالى أصواتهن غير مباليات بالمارة، ولا حتى بإزعاج السيارات وضجيج أبواقها، أو خطرها الذي يتربص بأطفالهم وهم يلعبون بالقرب من المكان. فوضى مقززة وقريب من المكان تحدثنا إلى المواطن صالح الزهراني، الذي نقل لنا تذمر أهالي المنطقة، مشيرا إلى أن هؤلاء حولوا المكان إلى فوضى وصفها بالمقززة، وأضاف «منظر هؤلاء الناس يصيب المارة بالاشمئزاز والضيق، لاسيما وأن المكان الذي يتجمعون فيه يعتبر منطقة تجارية يوجد بها العديد من الأسواق والسوبرماركات التي يرتادها سكان مكةالمكرمة وزوارها، حيث تنتشر الروائح الكريهة التي يخلفونها في المكان. وأوضح الزهراني أن ذلك نتج عنه الكثير من المشكلات الصحية والاجتماعية والبيئية التي يعانيها السكان المجاورون للجسر، مبينا أنهم جميعا ضجوا بالشكوى من تلك المخالفات التي تمارس هناك. وقال الزهراني «الكثير من هؤلاء لا يحملون وثائق سفر ولا أي إثباتات لشخصيتهم، ومنهم من مضى عليه أكثر من ثمانية أعوام وهو بدون أي أوراق رسمية»، مبينا أن الجميع يعلم كيف يدبر أموره فكثير منهم يعملون بطرق غير نظامية في مختلف الأعمال، وأضاف «هؤلاء نوعية شاذة كونهم يعيشون في العراء ويمارسون تفاصيل حياتهم بشكل طبيعي أمام أعين المارة، بلا حياء أو حواجز ما ينعكس على المارة حالة من الضجر، بعدما تضايقهم تلك المناظر». تحايل مكشوف أما الموطن فيصل الشهري، فأشار إلى أن هذه الفئة المخالفة لنظام الإقامة اتخذت تلك الطريقة للتحايل على السلطات المختصة بطريقة مكشوفة، من أجل أن يظفروا بتذاكر مجانية إلى بلادهم، حيث تأتي الشرطة لأخذهم للترحيل وتسفيرهم إلى بلادهم. وقال الشهري «بعض هؤلاء جاء إلى المملكة قبل سنوات وعمل في مكةالمكرمة، والآن بعد أن قرر أن يغادر إلى بلاده جاء إلى ذلك المكان ليقضي فيه شهورا حتى يظفر بتذكرة مجانية»، وأضاف «لقد وجدوا لهم طريقة ليتمكنوا من خلالها السفر إلى بلدانهم دون أدنى خسائر مادية». وأشار الشهري إلى أنه وبعد أن يرحلوا إلى بلادهم يعودون بعد فترة إلى المملكة مرة أخرى بطرق غير نظامية، والعودة من جديد وهكذا دواليك، فكل ما عليهم هو تأمين مبلغ تذكرة القدوم إلى مكةالمكرمة، ومن ثم يتركون طريقة العودة إلى بلادهم مرة أخرى بالمجان». ودعا فؤاد الأهدل، إلى متابعة هؤلاء المتخلفين باستمرار، لا سيما وأن البعض منهم يروج الديسكات الإباحية طوال فترة انتظارهم موعد الترحيل، وما خفي كان أعظم، مؤكدا أن منظر تجمعهم تحت الجسر يشكل الكثير من المضايقات للمارة، كما أنه يعكس منظرا غير حضاري، خاصة وأن مكةالمكرمة تعتبر مدينة ذات خصوصية. معظمهم من بنجلاديش ويرى صديق إمام، من الجنسية الشرق آسيوية، وهو أحد المخالفين القاطنين تحت جسر المنصور في انتظار الترحيل المجاني، أنهم يتفقون فيما بينهم على الاجتماع تحت جسر المنصور بأعداد هائلة حتى يلفتوا أنظار المواطنين والجهات المختصة فتسارع في ترحيلهم في أسرع وقت تفاديا لما قد يخلفه وجودهم بهذه الأعداد الهائلة من مشكلات أمنية. وأكد صديق أن معظم المتواجدين تحت الجسر من الجنسية البنجلاديشية، حيث يعملون بطرق مخالفة في مكةالمكرمة ومن ثم يوفرون مبلغ تذاكر العودة من بلادهم ليعودوا عن طريق الترحيل بالمجان. ووصف سليمان حبيب الترحيل المجاني إلى بلاده بأنه لا يكلفهم الكثير من المبالغ أو الجهد الكبير، فقط يكتفون بالتجمع تحت جسر المنصور لتتكفل الجهات المختصة بترحيلهم بالمجان، ولكن بعد أن يقضوا وقتا طويلا وسط حرارة الأجواء الساخنة. تلوث البيئة إلى ذلك حذر مدير إدارة صحة البيئة بأمانة العاصمة المقدسة المهندس محمد الفوتاوي من تفشي أمراض معدية وأخرى خطيرة بسبب تكدس العمالة المخالفة من الجنسين تحت الجسر، وتجمعات مماثلة بجوار ترحيل جوازات العاصمة المقدسة بأم الجود. ووصف الوضع بالخطير، مشيرا إلى تلويثهم للبيئة المحيطة بأماكن تواجد المخالفين جراء قضائهم حاجتهم حول الموقع، وطرح الفضلات وبقايا الأكل وغيرها من المخلفات في المكان نفسه، ما شكل مرتعا خصبا لتكاثر الحشرات والقوارض. ظاهرة خطرة من جهته أوضح الناطق الإعلامي بجوازات منطقة مكةالمكرمة المقدم محمد الحسين، أن إدارة الجوازات في مكةالمكرمة، تتابع باستمرار هذا النوع من الظواهر وتعمل جاهدة للقضاء عليها أولا بأول، مشيرا إلى أن المخالفين تعمدوا عمل تلك التجمعات للفت الأنظار إليهم كوسيلة ضغط لإرغام الجهات المختصة لترحيلهم إلى بلادهم على نفقتها، وشدد على أهمية تدخل القنصليات للعمل على تسفير رعاياها.