يجيء هذا العيد في حياتي ليكون مختلفا عن غيره، في هذا العيد طارت عصافيري الغالية بعيدا عن العش الذي احتضنها سنوات وسنوات، طارت تطارد المعرفة وتسعى لالتقاطها فخلا العش من زقزقتها وأظلمت أنواره لفراقها فعسى الرحمن أن يعيد العصافير سالمة إلى الحضن الذي انتزعت منه في يوم العيد. فراق فلذات الكبد طعمه مختلف عن فراق أي حبيب آخر، حين يفارقك الحبيب تختلط في قلبك نبضات الجزع من الفراق والابتعاد، بنبضات القلق والخوف من أن تنسى وأن يطمر مرور الأيام صورتك أو أن يحتل أحد غيرك القلب الذي نعمت فيه بالسكن والدفء فيطردك خارج الجنة التي عشت زمنا تتقلب في ظلالها. أما حين يفارقك صغارك فإنك آمن أن يحدث لك شيء من هذا، أنت مطمئن أنهم لن ينسوك وأن قلوبهم لن تتعلق بأحد سواك يطردك إلى خارجها، أنت آمن من كل ذلك فيصير لقلبك خفق مختلف، خفق لا يحركه قلق سوى القلق على سلامتهم، ولا خوف سوى الخوف من الخواء الذي سيعمر نفسك بعد مفارقتهم. غياب أولادنا بعيدا عن أحضاننا يحدث في حياتنا فراغا تستشعره أرواحنا ووحشة تضيق بها صدورنا، تغيب عنا البهجة التي كنا نعيشها وهم قربنا، ويظل الشوق ينهش قلوبنا إلى ابتساماتهم ونكاتهم ومرحهم وأيضا لخلافاتهم وصراخهم، وربما لتنازعنا معهم على من يأخذ السيارة. يقول جبران : «لا نعرف عمق المحبة إلا ساعة الفراق!!» كم هو صادق في عبارته هذه!! فحين يكون أولادنا في أحضاننا تظللهم أجنحتنا، نتذمر من طلباتهم ونشكو من تصرفاتهم، وربما لمناهم على عدم مقابلتهم لتطلعاتنا منهم وقد نبيت ونحن في حنق عليهم، لكنهم ما إن يبدأون في حزم أمتعتهم للرحيل حتى تبدأ قلوبنا في الخفق جزعا من فراقهم. نظل نحضن الصغار ونظن أنهم سيبقون للأبد تحت سقفنا، لكنهم سرعان ما ينبت ريشهم وتطول أجنحتهم فإذا بهم يطيرون بها مفضلينها على ما هو سواها، وإذا بنا نفاجأ بمن كنا، إلى وقت قريب نراهم أطفالا صغارا وقد صاروا أندادا لنا!! يسرنا نجاحهم ويشرح صدورنا استقلالهم واعتمادهم على أنفسهم بعيدا عن الحاجة لأحد، لكن يظل يلوح في أعماقنا طيف حزن خفي أنهم لم يعودوا يحتاجون إلينا كما كانوا في السابق، ولم نعد نشكل في حياتهم المحور الصلب الذي يلتفون حوله، وقبل هذا وذاك لم نعد المرجع العلمي والاستشاري الأول لهم حين كانوا يركضون إلينا يلوذون بنا كلما أطبقت عليهم الحيرة وأربكهم الجهل، بل إن الآية انقلبت فصرنا الآن نحن الذين نرجع إليهم نستعين بهم على فهم ما استغلق علينا فهمه من تقنيات هذا العصر!! (أولادنا! أنتم لنا فتن،، وتغادرون، فأنتم محن!! ) فاكس 4555382-1 للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة