لم يطاوعني القلم ولم تسعفني الكلمات وأنا أرى الدمار يعصف يوميا بسوريا ويعتصرها بلا رحمة ويحولها إلى أنقاض، لقد أصبح شبح الموت هو المسيطر على المشهد السوري، لقد شرد أهلها للدول المجاورة منهم فتركوا ذويهم ومتاعهم وممتلكاتهم وافترشوا الأرض والتحفوا السماء، لذلك فقد فضلت أن أوجه مقالي اليوم لحكماء الشام.. لجند الشام.. لكل عاقل لازال يحتكم للعقل ويفكر بالمنطق ويأبى الخضوع والانصياع للأوهام الضالة والتأثر بآلة الإعلام الكاذبة والهدامة. أتوجه بالخطاب إلى كل جندي سوري يحمل سلاحه ليوجهه إلى وجه مدني أعزل.. إن القادة زائلون.. لاتزال صفحات التاريخ عامرة بقادة عظماء أخلصوا لشعوبهم وتركوا لهم إرثا حضاريا عظيما استفادت منه أجيال تالية عديدة للجيل الذي عاصرهم، كما أن هناك قادة آخرين لم يبالوا سوى بأنفسهم فأنفقوا النفيس والغالي لتخليد ذكراهم وتأبيد مآثرهم إرضاء لنرجسيتهم وذواتهم المتضخمة، كما رأينا أيضا قادة وزعماء لم يفعلوا في حياتهم شيئا يذكر، بيد أنهم لم يتورعوا عن تدمير كل المظاهر الحضارية والتراثية التي شيدها سابقوهم من أجل بنائها ورفع هامتها وبنيانها عاليا نحو السماء. إن بلاد الشام هي إرث إسلامي عريق ومعلم تراثي وثقافي ينبغي على كل سوري بل وكل عربي الفخر والاعتزاز به، فتاريخ الشام يمتد حتى قبل الفتوحات الإسلامية عندما كانت الشام مركزا للتجارة بين الشرق والغرب لسنوات طويلة وعديدة، فهي عاصمة الدولة الأموية التي انطلقت منها العديد من الفتوحات الإسلامية التي نشرت الإسلام في أرجاء المعمورة كلها شرقا وغربا، لقد ظلت الشام معلما مضيئا ينشر النور في أرجاء العالم فكيف تهدمت بهذه الصورة؟ كيف حل الخراب والدمار بها؟ وكيف تتم تصفية خيرة رجالها وشبابها بأيدي جنودها بهذه الصورة الأليمة والمخزية؟ يا جنود الشام المخلصين الذين يظنون أنهم يؤدون واجبهم نحو وطنهم ويدفعون عنه عدوا غاشما، إنهم لا يحمون تراب وطنهم بل يحمون ملكا زائلا لحاكم غاشم، إنهم يحمون قائدا مزعوما ورث البلاد وخيراتها عن أبيه ولم يأتِ للسلطة برغبة الشعب أو باختياره، لقد خدعنا فيه جميعا عندما صدقنا وعوده للشعب السوري بأن عهده سيكون عهد نهضة ورخاء لسوريا وشعبها، إنه الآن يطيح بكل وعوده بل ويطيح بكل ما تعارفت عليه الإنسانية من قواعد لإدارة الحروب والصراعات، ونفاجأ بأن رمشا لم يطرف له وهو يدمر كل إرث وكل حضارة الشام العريقة، لم تهتز له شعرة وهو يقتل كل يوم عشرات السوريين المسالمين بآلة الحرب الجبارة ويرتكب المجازر التي تحصد المئات الواحدة تلو الأخرى بقلب بارد ونفس سوداء. إني أتعجب فعلا عندما أرى قادة عسكريين سوريين ورجالا بمناصب رفيعة داخل مؤسسة الرئاسة السورية يفوقون الأسد سنا وخبرة ودراية بأمور الحياة وشؤونها وأجدهم ينصاعون لأوامره بالفتك بالمعارضة والتنكيل بها إلى حد تجاوز كل الأعراف الإنسانية والدولية، أليس منهم رجل حكيم؟ ألا يوجد رجل واحد من بين هؤلاء الرجال المخضرمين والمحنكين ممكن عركوا الحياة، يقف للحظة واحدة يفكر فيها عما يحدث لبلاده وإلى أين تسير؟ نحو الهاوية أم نحو القاع؟ ألم يدر بخلدهم يوما أنهم يتبعون طاغية ويسلمون حضارتهم لمستبد لم يعرف له التاريخ بطولة ولم يسجل له مجدا في يوم من الأيام؟. إن الشعب العربي بكافة أطيافه يدعو عقلاء سوريا ورجالها وحكماءها من قادة عسكريين وسياسيين أن يقفوا ولو للحظة واحدة للتفكير في بلادهم وأبنائهم وأحفادهم، في إرثهم من الخراب والدمار الذي سيتركونه لهم، وهل سيغني عنهم الأسد شيئا؟ هل سيشفع لهم في التاريخ؟ هل سيحميهم من نقمة الشعب عليهم؟ وكيف سيتذكرهم أحفادهم؟ إن بلدهم تناشدهم أن يوقفوا نزيف الدم السوري ويطردوا الجزء الأسدي الخبيث من جسد بلادهم الطاهر، وكلنا على يقين من أنه لو تم القبض عليه ومحاكمته على جرائمه أن أسرارا ووقائع خطيرة ستتكشف يندى لها جبين الحر. www.a-e-house.org