يتميز شهر رمضان عن بقية أشهر العام ببذل الخير والمعروف، وقد جاء في الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان، لأن جبريل كان يلقاه كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ.. يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة. (رواه عبدالله بن عباس). لذلك على المسلم أن يقتدي بنبيه صلى الله عليه وسلم.. حتى في آداب الطعام التي نوه بها القرآن بقوله تعالى: (فإذا طعمتم فانتشروا) الأحزاب/53. والطعام «هو كل ما يؤكل، وأطعمه الله، أي: رزقه» (محمد إبراهيم/ معجم الألفاظ والأعلام القرآنية/ص311). وآيات الطعام في كتاب الله عز وجل كثيرة. ويمكن اختيار ما يناسب الشهر الكريم منها. فبادئ ذي بدء، السفر في رمضان أيامنا هذه كثير إما لعمل أو غير ذلك، فإذا كان المسافر مضطرا لأكل الطعام المحرم عليه، فلا بأس من تناوله، أخذا بمبدأ «الضرورة تبيح المحظورات؟» وقال سبحانه: (فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم) المائدة/3. ولا جناح -أيضاً- على من آمن وعمل صالحاً إذا ما اتقى وآمن وعمل صالحاً ثم اتقى وآمن ثم اتقى وأحسن، ليس عليه جناح في طعامه.. أخذا بقوله عز وجل: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين) المائدة/93. لقد أفاض الحافظ بن كثير في تفسير هذه الآية كثيراً.. وأورد الأحاديث الواردة في تحريم الخمر، وقد أورد قصة إراقة الصحابة للخمر حينما نزلت الآية: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه)، حيث سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فما ترى فيمن مات يارسول الله وهو يشربها؟ فأنزل الله تعالى: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا). ولعل ختام الآية بالإحسان يعني ما قام به الصحابة حين نزول آية تحريم الخمر، من كسر القلال والوضوء والاغتسال وتطيبهم من طيب أم سليم (ابن كثير،ج2 ص224). وللمسافر رخصة الإفطار في رمضان كالمريض، قال تعالى: (ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر) فالمسافر والمريض اللذان يطيقان الصيام مخيران إما ان يفطرا ويطعما مسكيناً عن كل يوم وإما أن يصوما وهو خير لهما.. والصوم ثلاثة أيام يعتبر كفارة يمين، قال تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم).. الى قوله: (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم) المائدة 88 هذه بعض لمحات عن الطعام والإطعام في شهر رمضان وغيره.. ولكي نفهم حقيقة الإطعام أكثر علينا تأمل قوله تعالى: (والذي هو يطعمني ويسقين) الشعراء/ 79 ومعناه أنه «خالقي ورازقي بما سخر ويسر من الأسباب السماوية والأرضية، فساق المزن، وأنزل الماء وأحيا الأرض، وأخرج به من كل الثمرات رزقاً للعباد، وأنزل الماء عذباً زلالا يسقيه مما خلق أنعاما وأناسي كثيرا) (ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج4، 93). فالتسخير وتيسير الأسباب ونزول الماء.. كل ذلك ليأكل الإنسان من رزق الله طعاماً هنيئا خالياً من التلوث. قال سبحانه: (فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما..) الكهف19. فالطعام الزاكي هو الخالي من التلوث، وغالباً في السفر ما يكون صيد البحر ولو أن التلوث النفطي فتك ببعض البحار. وما توفيقي إلا بالله.