تدرج الصيام منذ بدء تشريعه إلى استقرار أحكامه في ثلاث مراحل تدل على التيسير الذي يكتنف أحكام الشريعة الإسلامية في العموم, قال معاذ بن جبل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة, فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام, ..., وصام يوم عاشوراء, ثم إن الله تعالى فرض عليه الصيام, فأنزل الله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون, أياما معدودات, فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر, وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين, فمن تطوع خيرا فهو خير له, وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعملون», قال: فكان من شاء صام, ومن شاء أطعم مسكينا فأجزأ ذلك عنه, قال: ثم إن الله تعالى أنزل الآية الأخرى: «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان, فمن شهد منكم الشهر فليصمه, ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر, يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر, ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون», قال: فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح, ورخص فيه للمريض والمسافر, وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام, فهذان حولان, قال: وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا, فإذا ناموا امتنعوا, قال: ثم إن رجلا من الأنصار يقال له صرمة ظل يعمل صائما حتى أمسى, فجاء إلى أهله فصلى العشاء ثم نام فلم يأكل ولم يشرب حتى أصبح, فأصبح صائما, قال: فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جهد جهدا شديدا, قال: «ما لي أراك قد جهدت جهدا شديدا»؟ قال: يا رسول الله إني عملت أمس, فجئت حين جئت فألقيت نفسي فنمت وأصبحت حين أصبحت صائما, قال: وكان عمر قد أصاب من النساء من جارية أو من حرة بعد ما نام, وأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له, فأنزل الله تعالى: «أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم, هن لباس لكم وأنتم لباس لهن, علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم, فتاب عليكم وعفا عنكم, فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم, وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر, ثم أتموا الصيام إلى الليل, ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد, تلك حدود الله فلا تقربوها, كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون», رواه أحمد – واللفظ له – وأبو داود. وملخص المراحل الثلاث المذكورة في تشريع صوم شهر رمضان أن النبي صلى الله عليه وسلم - قبل فرض رمضان - صام ثلاثة أيام من كل شهر بالإضافة إلى صوم يوم عاشوراء, ثم تدرج تشريع صوم رمضان كما يلي: 1. التخيير في صوم شهر رمضان بين صومه أو إفطاره مع إطعام مسكين عن كل يوم. 2. وجوب صوم شهر رمضان على المقيم الصحيح, وجواز إفطاره للمريض والمسافر مع القضاء, وإطعام مسكين عن كل يوم للكبير العاجز عن الصيام, وكان الصوم يبدأ من نومهم في الليل. 3. جواز إتيان سائر المفطرات من أكل وشرب ومس للزوجة في الليل إلى الفجر.