قبل حلول شهر رمضان بأسبوعين كان سعر اللحم المبرد يتراوح بين 27 و29 ريالا للكيلو، أما الآن فيتراوح بين 35 و40 ريالا للكيلو، والسبب في ذلك ليس الإقبال الكبير على شراء اللحوم المبردة، وإنما بسبب شحها في السوق.. بحسب ما أكده أحد البائعين. إلا أن التاجر نايف العبدلي (أحد مستوردي اللحوم) أرجع ارتفاع الأسعار إلى فرض هيئة الغذاء لقرار يقضي بألا تتجاوز درجة حرارة اللحم المبرد أثناء استيراده ونزوله من الطائرة ال(5) درجات كحد أعلى، وهو ما لا يمكن تحقيقه في ظل حرارة الأجواء والبنية التحتية السيئة للخدمات الأرضية في المطار. وأضاف: في ظل الإمكانات المتاحة فإن درجة حرارة اللحوم تصل ل(6) درجات كحد أدنى، وهو ما يعني إتلافها بحسب اشتراطات الهيئة، علما أن المشرفين الطبيين أكدوا أن اللحوم لا تفسد إذا تجاوزت حرارتها ال(5) درجات. وأردف العبدلي: بالإضافة إلى اشتراطات هيئة الغذاء هناك الخطوط السعودية التي رفعت سعر كيلو شحن اللحوم المبردة إلى (5) ريالات بعد أن كان 1.75 هللة للمستورد من باكستان إلى جدة. ولمحاولة فهم الأزمة عن كثب فإن اللحم المبرد حتى يصل إلى المستهلك تبدأ خطواته بالتصدير من بلد المنشأ عبر الطائرة ومن ثم نقله إلى الخدمات الأرضية بالمطار ومنه إلى ساحة الجمارك، وفي هذه المرحلة قد يتأخر إتمام شحن اللحوم المستوردة لفترة تصل إلى (3) ساعات، نظرا لنقل عفش الركاب أولا، ولتأكد موظفي الجمارك من سلامة شحنة اللحوم، ومن ثم تأكد المختصين من هيئة الغذاء والدواء من الحرارة الملائمة لها، فإذا كانت متجاوزة ل(5) درجات يوجه بإتلاف كامل الشحنة، وإن كانت مطابقة يسمح لها بالدخول، لتبدأ برادات المستوردين بنقلها إلى المستودعات، ومن ثم توزيعها على المحلات التجارية. ومن هنا يتبين أن أزمة اللحوم المبردة تتداخل فيها الخدمات الأرضية بالمطار، وهيئة الدواء والغذاء، والجمارك، ومستوردو اللحوم، الذين يؤكدون بأن الأزمة حديثة بسبب اشتراط هيئة الغذاء بشأن درجة الحرارة والذي فرض منذ شهرين فقط، لكن حسين الشيخ (مدير فرع هيئة الغذاء والدواء في جدة) أكد أن الاشتراط قديم جدا وهو معيار خليجي وعالمي. مضيفا: إن المواصفات العالمية لا تسمح بتجاوز درجة حرارة اللحوم ل(5) درجات، وذلك لأن اللحوم المبردة قابلة لنمو البكتيريا، كما أن الهيئة لا تعلم ظروف نقل اللحوم بعد فسحها، وظروف تخزينها في المستودعات. ورفض الشيخ اتهام الهيئة بالمبالغة قائلا: نحن جهة رقابية فقط ولدينا معيار إذا تجاوزته حرارة اللحوم نحكم بفسادها حفاظا على صحة المستهلك، خاصة أن الحاويات تأتي مثلجة وليست مبردة، وهو ما يعني أن الثلج قد يذوب سريعا. الأزمة - بحسب المستوردين - تسببت في تناقص كميات الاستيراد، حيث كان المعدل الطبيعي للاستيراد أكثر من 5 أطنان، بينما اقتصر الاستيراد الآن على الطن إلى الطن والنصف من اللحوم، خوفا من الإتلاف وضياع قيمتها المدفوعة مقدما للشركات المصدرة. وكان مستوردو اللحوم قد بعثوا جملة من الخطابات إلى عدة جهات (تحتفظ «عكاظ» بنسخ منها) ؛ منها خطاب بتاريخ 18/8/1433 إلى رئيس هيئة الغذاء والدواء، أوضحوا فيه الإشكالات التي تقف أمام استيراد اللحوم المبردة والخطوات التي عملوها لتجاوزها، ومطالبتهم بالاجتماع معه، كما بعثوا خطابين إلى سمو رئيس هيئة الطيران المدني، ومدير عام الخطوط السعودية، يوضحان المعاناة التي يجدها مستوردو اللحوم المبردة. كما أرسلوا خطابا إلى وزير التجارة في 24/8 أوضحوا له العقبات التي تواجههم والخطوات التي عملوها في محاولة لإيجاد حلول، وطالبوه بالتدخل لحل الإشكالات التي يترتب عليها رفع سعر اللحوم المبردة على المستهلك. وبتاريخ 26/8/1433ه كرر مستوردو اللحوم خطابا آخر إلى الرئيس التنفيذي لهيئة الغذاء والدواء يعيدون إطلاعه على المشكلة، ويطالبونه بالتدخل لحلها. وفي خطاب إلى الرئيس التنفيذي للخطوط السعودية طالب المستوردون أن تعتمد الخدمات الأرضية مستندا يثبت الإجراءات التي تمر بها اللحوم المستوردة من ساعة فتح أبواب الطائرة إلى أن تسلمها، بغية تحديد المشكلة على وجه الدقة، كما طالبوا بحل الإشكالات المتعلقة بالخدمات الأرضية وما يترتب عليها من إهمال البضاعة لمدة تزيد على الثلاث ساعات. وهدد المستوردون «في حال تقاعست الخطوط السعودية عن الحل بمطالبتها التعويض عن الخسائر الناجمة عن إتلاف بضاعتهم». الغرفة التجارية من جانبها سارعت إلى عقد لقاءات متتابعة مع كل الأطراف لمحاولة الإسهام في حل المشكلة، كما نقلت الأزمة إلى وزير التجارة عبر خطاب مؤرخ في 29/7/1433ه، حيث شخصت المشكلة ب(المبالغة) في الحد الأعلى لدرجة الحرارة، بحيث لا يكون منطقيا تنفيذها من الناحية العملية وتأخر وصول الشحنات إلى الساحة الجمركية بعد وصول الطائرة بأكثر من 3 ساعات، مما يتسبب في رفع درجة حرارة شحنات اللحوم بسرعة، خاصة في موسم الصيف، وعدم وجود تعاون وتنسيق بين الخطوط السعودية والخدمات الأرضية والجمارك وهيئة الغذاء والدواء لإيجاد حلول سريعة باستعجال خروج شحنات اللحوم المبردة إلى مقر الفسح بالساحة الجمركية. كما قدرت لجنة تجار المواد الغذائية والحوم المبردة بالغرفة كمية الشحنات التي لا تفسح يوميا ب(15000) كيلو. وحذرت الغرفة في خطابها من أن تلك الأزمة ستتسبب في خسائر مالية للتجار المستوردين وفي شح المعروض من اللحوم المبردة في الأسواق وارتفاع أسعار اللحوم، حيث إنها سلعة استراتيجية واستهلاكية، فضلا عن تضرر المستهلكين من عدم توفر المنتج، إضافة إلى ارتفاع الأسعار. ورأت الغرفة أن الحل يبدأ من تشكيل وزارة التجارة والصناعة لجنة من ذوي الاختصاص والهيئات الحكومية ذات العلاقة لحل تلك الإشكالية الطارئة. بيد أن التجار يرون الحل يكمن في رفع هيئة الغذاء والدواء المعيار مؤقتا حتى تقوم الخدمات الأرضية بتهيئة البنية التحتية لتتناسب مع المعيار الجديد، أو أن تقوم الهيئة بالتحليل اليومي للحوم؛ لكن الهيئة ترفض التحليل مبررة أنه غير ممكن، خاصة أنه يستغرق وقتا ليس بالبسيط، كما ترفض رفع المعيار بمبرر الحرص على سلامة المستهلك، وفي ذات الوقت تتفق مع التجار في أن الحل بيد الخدمات الأرضية التي يجب أن تهيئ بنية تحتية تؤمن نقلا آمنا وسريعا لكل المأكولات من اللحوم والخضراوات. التجار أكدوا باستغراب أن لا أحد من الجهات التي خاطبوها رد عليهم البتة، ونحن بدورنا - أيضا - حاولنا الاتصال بالخدمات الأرضية مرارا لننقل وجهة نظرهم، لكننا لم نجد ردا. وبالنظر إلى كون اللحوم مكونا رئيسيا لكثير من الوجبات، خاصة في الإفطار والسحور؛ فمن المؤكد أن تشهد أسعار اللحوم المبردة مزيدا من الارتفاع خلال الشهر الكريم، نظرا لكثرة الطلب وقلة المعروض منها.