نقف في أحيان كثيرة عاجزين عن تفسير بعض الظواهر السلبية التي تطفو بين الفينة والأخرى على سطح الرياضة السعودية عموماً، وكرة القدم على وجه الخصوص. وهو العجز الذي يؤدي بنا إلى تجاوز طرح التساؤلات الآنية الملحة نحو التلويح بإدانات كان من المفترض أن تأتي في توقيتات لاحقة، ومن لجان رسمية مختصة. تصريح متجاوز من رئيس ناد، أو إداري. خروج مفارق للروح الرياضية من لاعب. تشغيب قافز للخطوط الحمراء من جمهور ناد. كلها مظاهر سلبية موسمية تكون ليظهر عجزنا عن معالجتها متمثلا بصخب ردود الفعل ودوي الإدانات ومطالب إنزال أشد العقوبات. نكرر مواقفنا الحادة، فلا يتورع الحدث عن الحضور مرة أخرى. نرفض، ويبدو رفضنا بلا جدوى، فالمشاهد الخارجة في ملاعبنا تصر على العودة. هذا ليس طبيعياً، أو ليس من المفترض أن يكون كذلك. لا تقدم المخالفة نفسها بوصفها حدثاً عارضاً كما يجب أن تكون، بل تفرض وجودها كعنصر ثابت لا يتزحزح. هنا، نحن أمام إشكال حقيقي، ذاتي لا موضوعي، سببه المنهج المتخذ للتعاطي مع التجاوز، لا التجاوز بحد ذاته. ثمة خلل فادح؛ إذ كيف نعالج التجاوز بطريقة تعطي النتائج ذاتها كل مرة؟! كيف نسلك طريقاً علمتنا تجاربنا أنها لا تؤدي إلى المكان الذي نروم الوصول إليه؟! أعتقد أن توالي التجاوزات في المواسم الفائتة، وعدم قدرة العقوبات على إيقافها أو الحد من تفاقمها، وضع الجميع في مأزق حقيقي. وهو المأزق ذو الصلة الأكيدة بالخطوة الأولى والمهمة في أي محاولة علاج؛ خطوة طرح التساؤلات. إن طرح التساؤل الخاطئ، أو الصحيح في توقيت خاطئ، يتسبب لا محالة بالوصول إلى إجابات غير ملائمة. ولأننا نقوم دوماً، ومع كل تجاوز، بطرح تساؤلات على نحو؛ هل يستحق هذا المخالف أو ذاك العقاب؟ ما هو نوع/كم العقوبة المناسبة؟ بينما لا يطرح تساؤل على غرار: لماذا تتم عملية التجاوز أصلا؟ ثم لماذا تتكرر؟ فإننا غير قادرين على إعطاء مقاربة تنطوي على بذرة الحل. لماذا تتم عملية التجاوز؟ هذا هو التساؤل الذي يعيد للرياضة مضمونها الذي اختلسته التساؤلات الجانبية، ومن ثم يجعلنا نضع قدماً في طريق الحل. إن إعطاء الرياضة، وكرة القدم تحديداً بوصفها الأكثر شعبية، أبعادها الثقافية والاجتماعية، وبحث إشكالاتها على هذا الأساس، يخفف اللغط، ويزيل الغبش، ويجلي الصورة، ويسرع عملية الفهم ومن ثم المعالجة. تبدو محاولة فهم تصرفات الرياضيين والمحيطين بهم كرؤساء الأندية والإداريين وحتى الجماهير، اعتماداً على لحظة المنافسة ومكانها، دون ربطها بسياقاتها الثقافية والمجتمعية العامة، عبث محض. الرياضي ابن مجتمعه وربيب ثقافته، وتجاوزه/تكرار تجاوزه متسق تماماً مع تجاوزات متكررة منه أو من محيطه الاجتماعي في الحياة العامة. ما الذي يمنع جمهوراً ما من ترديد هتافات عنصرية في المدرج إن نشأ في بيئة لا تدينها؟ وما الذي يجعل لاعباً يتردد في كسر قواعد الروح الرياضية إن اعتاد كسر قواعد المرور؟ هنا تتعالق الرياضة مع الوعي المجتمعي، ويصبح طرح سؤال الثقافة مقدمة لا مناص منها حين نحاول دراسة ظاهرة رياضية سلبية ما، إن لم نتلمس له إجابة ملائمة في المنزل والشارع والحي والمؤسسة التعليمية وحتى في أنماط التفكير العامة، فإننا سنظل عاجزين، نكرر أنفسنا كل موسم. !!Article.extended.picture_caption!!