في الوقت الذي كان الإعلام والمجتمع ككل مشغولين حزنا وهما على خسائر منتخبنا لكرة القدم في الدوحة .. حينها كان سكان مدينة جدة يصرخون وللعام الثاني على التوالي من غرق منازلهم وشوارعهم وممتلكاتهم بمياه السيول بسبب سوء التخطيط والتنفيذ والصيانة والتصريف!! حدثان في زمن واحد .. لكن تسأل الناس بألم عن حجم ذلك التباين الكبير في ردة الفعل الإعلامية الكبيرة بين الحدثين؟؟ وتسارعت التساؤلات عن أي الحدثين أكبر مأساة وأعظم أثراً في نفوس أبناء المجتمع السعودي ؟! هل هي خسارة منتخب كرة قدم في الشرق أو مدينة تغرق شوارعها في الغرب ؟؟ .. غريب هو أمرنا .. عجيبة هي حالنا .. مدينة تعاني من سلبيات بلدية ومن قصور متراكم من سنين راح ضحيته العديد من الأبرياء ومع ذلك ينصرف اهتمام الإعلام عنها وتجيش كل وسائل الإعلام الصحفية والفضائية وتتسابق أعمدة المقالات الرياضية وحتى غير الرياضية وتفرد عشرات الملاحق وتتنافس عشرات القنوات الفضائية وعشرات المحللين والمراسلين الرياضيين وعلى مدى أسابيع نحو جهاز الرياضة لمجرد أن المنتخب خسر !! لماذا الرياضة دوما تحظى بهذا الحجم الاعلامي في المدح وفي النقد ؟! ولدينا ما هو أهم وأكبر من الكرة والرياضة !! لدينا وزارات وقطاعات حكومية تخصص لها ميزانيات مالية كبيرة جدا وبدعم مالي ومعنوي مضاعف !! ومع ذلك هي أسوأ كثيرا من جهاز الرياضة في المخرجات والنتائج وفي الخدمات وفي الأداء ومع ذلك لم تواجه بهذا القدر من الاهتمام الإعلامي الناقد ؟! عذرا مدينة جدة وسكانها .. سأسير مع الركب نحو الرياضة فنتائج المنتخب السلبية جدا في مسابقة كأس آسيا المقامة حالياً في الدوحة ألقت بظلالها " السوداء " على الإعلام ورأينا تداعيات هذه الخسائر تتجاوز المجتمع الرياضي مما يؤكد أهمية الرياضة في هذا العصر وخاصة في مجتمع يمثل الشباب فيه نسبة 60% من تعداد السكان، ومعظم هؤلاء الشباب هم رياضيون إما بالممارسة أو الهواية او المتابعة !! وخلال ظرف أيام معدودة فقط عاش الإعلام الرياضي في تقلبات وتحولات كثيرة، فقبل المسابقة كان يمدح ويثني ويراهن "بدرجة مبالغ فيها "!! وبعد الخسارة تحول إلى نقد وصل إلى ذروته بعد الخسارة الثانية وبدرجة مبالغ فيها أيضا !! وبعد صدور القرار الملكي الكريم بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد رئيساً لرعاية الشباب تحول الإعلام الرياضي فجأة بجميع أطيافة إلى منظر ومعلم ومقدم لكثير من الأفكار والآراء فأصبح الجميع من دون استثناء يتسابقون في طرح الحلول والملاحظات والاقتراحات، فقام الجميع بدور الأطباء والمريض واحد ! الملاحظ أن الرياضة في بلادنا دون سواها تحظى بأهم مكسب لا نراه في غيرها من مجالات المجتمع الأخرى .. هذا المكسب هو " الحرية الإعلامية " ففي الإعلام الرياضي نقرأ ونسمع ونشاهد حرية (شبه مطلقة) في الصحافة والقنوات الفضائية وفي المواقع الإعلامية الرياضية، وتمثل ذلك في مناسبات كثيرة وفي أحداث مختلفة وفي مواقع متعددة !! بل رأينا أن هذه " الحرية " قد تجاوزت حدودها في حالات كثيرة دون أن تجد العقوبة النظامية الصارمة !! السؤال هل هذه الحرية في الإعلام الرياضي ظاهرة صحية ؟ هل لهذه الحرية إيجابيات مرضية لصالح الرياضة السعودية ؟ هل المجال الرياضي يستحق هذه الحرية !! هل هذه الحرية منحت للإعلام الرياضي أم أنه حصل عليها تلقائياً وبالتوارث !! الإجابة تؤكد أن الناتج الرياضي ككل في بلادنا أقل بكثير من تلك الحرية وأقل بكثير من حجم الإمكانات المادية، من هنا يتكرر السؤال عن المشكلة وعن الحلول المفقودة !! إن من سوء حظ الرياضة من بين أجهزة الدولة أن نتائجها ملموسة أول بأول إيجابا أو سلبا وقصورها يبرز فورا .. لذلك فالمجتمع ككل والإعلام الرياضي الذي يحظى بالحرية يقوم تلقائيا بدور الرقابة الدائمة والصارمة على كل النتائج الرياضية، ويمكن القول إنها صفة جميلة ولكنها للمسؤولين عن الرياضة صفة مزعجة جداً .. على كل، لو قدر أن واجهت قضايا اجتماعية أخرى خارج الرياضة - على سبيل المثال قضية السيول والأمطار أو قضية توظيف الشباب أو قضية غلاء بعض المواد أو غيرها بمثل هذه الرقابة الدائمة وحظيت بمثل هذه الحرية في الرأي والنقد وفي المتابعة - فإنه من المؤكد أنه سيتم حل جميع تلك المشاكل أو القضايا في ظرف أشهر أو أسابيع !! لكن الأمل أن يكون مستقبل الرياضة في بلادنا مستقبلاً مشرقاً بإذن الله !! مادام أنه يحظى بهذه الرقابة الدائمة وبهذه الحرية المطلقة في الرأي والنقد !!