كان طلاب الطب إلى عهد قريب لا يزيد على أربعة عقود مضت يدرسون في كتبهم أن أهم الأمراض وأكثرها انتشاراً في البلاد العربية هي الأمراض المعدية التي تنتقل من الإنسان إلى الإنسان إما مباشرة مثل الكوليرا والجدري والتراخوما أو عن طريق عائل وسيط مثل البعوض في حالة الملاريا أو قواقع المياه العذبة مثل البلهارسيا. اختلف الأمر في العقود الأخيرة إذ أصبح طلاب الطب يقرؤون في كتبهم ويستمعون في محاضراتهم إلى أن الأمراض المزمنة أو بتعبير آخر الأمراض غير المعدية أضحت تزاحم الأمراض المعدية في الانتشار بل تتفوق عليها. لماذا هذا التغيير في فترة زمنية قصيرة؟ يعود التغير في نمط الأمراض إلى تغير حدث في أنماط السلوك. أصبحنا نرى ازدياداً ملحوظاً في إصابات المرور لأن السيارات أصبحت تزاحم البشر في الطرقات ولأننا أصبحنا في عصر السرعة يزاحم بعضنا البعض. ويسابق بعضنا البعض الآخر. ونرى ازدياداً ملحوظاً في نسبة الإصابة بمرض السكري إذ أننا ما عدنا نمشي كما كنا نمشي من قبل.. ولا نكتفي بالأكل البسيط وإنما هي الدهون والحلويات والوجبات السريعة تعمر بها موائدنا.. كما أن جلسة المكتب والتلفزيون والإنترنت لساعات متتابعات تستهلك أوقاتنا. قل نفس الشيء عن أمراض أخرى أصبحنا نعاني منها اليوم أكثر مما كنا نعاني منها بالأمس مثل ارتفاع ضغط الدم، والقلق المزمن، وقرحة المعدة، والتهابات المرارة.. جميعها وبدون استثناء ازدادت معدلات الإصابة بها نتيجة لتغير أنماط السلوك. من هنا كان أهم وأنجح وسيلة نتغلب بها على هذه الظاهرة هي التثقيف الصحي الهادف الذي يدرك الإنسان من خلاله أن السبب الرئيسي للأمراض يعود أكثر ما يعود إلى سلوكه الشخصي.. في أكله وشربه وحركته ومدى تفاعله مع البيئة والآخرين من حوله. التثقيف الصحي الذي يجعل الإنسان يعي أن المسؤولية في الوقاية من هذه الأمراض تقع على عاتقه أكثر مما تقع على عاتق الطبيب وفريقه الصحي. كثيراً ما رددت القول وفي مناسبات شتى أنه لو قدر لميزانية الصحة في أي مجتمع أن يخصص منها 2,5 % للتثقيف الصحي الهادف الذي ينتهي بتغيير في السلوك لارتفع مستوى الصحة تبعاً لذلك بما لا يقل عن 25 % في غضون سنوات.