لم يعرف في تاريخ الثقافة الإنسانية الحديثة قيام أية مؤسسة ثقافية بصناعة مثقف أو مبدع، ذلك أن كل المثقفين والمبدعين في هذا العالم برزوا خارج المؤسسات الثقافية، ذلك أن الإبداع الحقيقي دائما ما يأتي من خارج هذه المؤسسات. ولو استعرضنا أسماء كل المفكرين والمثقفين والمبدعين سواء في الغرب أو الشرق سنجد أنهم نتاج مواهبهم أولا وثقافتهم ثانيا وتعبهم وكفاحهم وطموحهم ثالثا، ولا يمكن أن تجد مثقفا يعمل داخل المؤسسات الثقافية إلا في حالة واحدة، يتحول فيها هذا المثقف إلى موظف يتقاضى راتبا أو مكافأة، ويظل داخل المؤسسة الثقافية أو النادي لا يهمه تطويرها بقدر ما يهمه صرف مكافأته آخر الشهر، وبالتالي فهو في مفهوم المثقف ليس مثقفا حقيقيا وحرا على الإطلاق. هناك داخل المؤسسات الثقافية والنوادي الأدبية من أولئك الذين يبحثون عن وجاهة اجتماعية ويقدمون أنفسهم بصفتهم مثقفين أو أدباء ينتمون لهذا النادي أو هذه المؤسسة الثقافية أو الجمعية دون أن يكون لهم إنجاز ثقافي أو فكري أو أدبي أو إبداعي البتة، إنهم مجرد أسماء وأرقام تنتمي للثقافة ولكن لا علاقة لها بالثقافة بالمعنى الحقيقي، ذلك أن الثقافة تحصيل معرفي وتأسيس وبناء لوعي ثقافي شاهق وليس مجرد عضوية لهذا النادي وهذه الجمعية أو هذه المؤسسة. إن عباس محمود العقاد لم تصنعه مؤسسة ثقافية، بل كان وحده مؤسسة، وزكي مبارك كذلك وطه حسين الذي صنع تحولا كبيرا في الثقافة العربية وكان نتاج صبره وعزيمته ولأنه رأى الأشياء ببصيرته لا ببصره، وكذلك الشاعر اليمني الكبير عبدالله البردوني لم يمنعه فقدان بصره أن يصنع مشروعه الشعري الكبير، ويماثله في ذلك كل من الجواهري ومحمود درويش ونزار قباني وعشرات ومئات من المبدعين والمثقفين وهؤلاء كلهم جاءوا من خارج المؤسسات الثقافية. أتساءل هل ساهمت المؤسسات الثقافية في صناعة مثقفين ومبدعين حقيقيين ؟، وهل ساهمت حقا هذه الثقافة في تغيير الواقع الاجتماعي وصنعت تحولا مهما ومفصليا في الذهنية الاجتماعية؟. إن الاعتقاد بأن المؤسسات الثقافية لها القدرة على صنع مثققين ومبدعين، وهم كبير. [email protected]