في كل مجال وفي أي حقل أو ميدان لا يمكن أن ننتظر إنجازا حقيقيا وكبيرا.. إلا إذا كان هناك إخلاص كبير وحقيقي يقدمه المنتمي لهذا المجال أو هذا الحقل أو هذا الميدان، كذلك أن الاشتغال بالأدب والثقافة كما يقول أستاذنا عبدالفتاح أبو مدين «مغارم لا مغانم» وتحتاج إلى مخلصين ومثابرين ومناضلين، ومن هنا ينبغي القول إن كثيرا ممن ينتمون إلى الحياة الثقافية يتمسحون بالثقافة ويبحثون عن وجاهة اجتماعية أكثر من كونهم يمثلون الثقافة في بعدها العميق ويتمثلون المثقف في أزهى وأبهى تجلياته، ذلك أن المثقف هو ذلك الذي يقف خارج المؤسسة بكل ما تعنيه هذه المؤسسة سواء اكانت سياسية أو ثقافية أو اجتماعية، إذ إن هذه المؤسسة لا تصنع المثقف والمفكر أو المبدع، ولذلك فإن على المثقف أن يكون مستقلا له فكره وآراؤه وتوجهاته ومساراته المعبرة عن شخصيته وأفكاره ومنظومة العقيدة الفكرية والأيدلوجية التي ينتمي إليها والتي تمثل صورته وهويته معا، ذلك أن الإنسان في آخر الأمر هو مجموعة أفكار ورؤى وقناعات وإلا لا يمكن أن يكون مثقفا حقيقيا. إن الثقافة ليست حشو معلومات في دماغ الإنسان ولكن ينبغي أن تكون ثقافة منتجة لأفكار وتوجهات وإيمان لفكرة وتكريس مدى الحياة لتعميق وتجذير هذه الفكرة، إنها مجموعة معلومات وعلوم ومعارف من قراءة الشعر إلى قراءة الفكر ولكن لا بد لها أن تعزز في المحصلة النهائية عن دور وموقف وعن عقل خلاق ومستقل وشجاع وعن روح تؤمن بضرورة أن يكون وعي المثقف وعيا معبرا عن هذا العقل الذي هو أثمن وأغلى ما يملكه الإنسان وكل صاحب عقل حقيقي وقلق هو في شقاء وكما يقول المتنبي : ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة بالشقاوة ينعم وكما قلت في البدء فإن الثقافة تحتاج إلى إخلاص وعمل ومواجهة وإلى تضحيات وجعلها قضية مركزية في حياة المثقف إضافة إلى تعزيز دور المثقف ووضوح موقفه من كل ما يدور من حوله وأن يظل فاعلا لا مفعولا، أن يكون مستقلا لا تابعا وهنا تتحقق أهمية المثقف واستقلاليته في أرفع معانيها وأبرز صورها وفي آخر الأمر أن يكون المثقف مثقفا لا موظفا وثمة فرق بين أن تكون مثقفا أو تكون موظفا. [email protected]